قال: { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } إلى قوله: { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الآيات. أي من ذا الذي ينفق في سبيل الله محتسباً في نفقته، فيضاعف له ربه (بالحسنة عشرة أمثالها) إلى سبع مائة ضعف. { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } (وهو الجنة). " ومن " مبتدأ و " ذا " خبره، " والذي " نعت لـ " ذا ". وقيل " من " مبتدأ و " ذا " زائدة مع " الذي " ، و " الذي " خبر الابتداء. وأجاز الفراء أن تكون " ذا " زائدة مع " من " كما جاءت زائدة مع " ما " ، ولا يجوز هذا عند البصريين لأن " ما " مبهمة، فجاز ذلك فيها، وليست من كذلك. ثم قال: { يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ [وَٱلْمُؤْمِنَاتِ] يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم }. أي لهم أجر كريم في يوم ترى المؤمنين، فالعامل في " يوم " معنى الملك في " لهم ". وقيل العامل فيه { وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } { يَوْمَ تَرَى } فوعد هو العامل فيه. ومعنى الآية: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يضيء نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. قال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " من المؤمنين ما يضيء نوره [من المدينة إلى عدن وصنعاء فدون ذلك حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره] إلا من موضع قدميه ". قال ابن مسعود يعطى المؤمنون نوراً على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى [نوراً كالنخلة السحوق ومنهم من يعطى نوراً كالرجل القائم وأدناهم من يعطى نوراً] على ابهامه يضيء مرة ويُطفى مرة. وقال الضحاك معنى " وبإيمانهم " أي: وبأيمانهم كتبهم. وقيل النور هنا: الكتاب لأنهم يعطون كتبهم من بين أيديهم بأيمانهم فلهذا وقع الخصوص. وقيل المعنى يسعى ثواب إيمانهم وعملهم [الصالح] بين أيديهم وفي أيمانهم كتب أعمالهم نظائر، هذا اختيار الطبري، وهو قول الضحاك المتقدم. والباء في " وبأيمانهم " بمعنى " في " على هذا التأويل، وعلى القول الأول بمعنى " عن ". ثم قال: { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ }. أي يقال لهم بشراكم اليوم جنات، أي: الذي تبشرون به اليوم هو جنات، فأبشروا بها وأجاز الفراء " جنات " بالنصب على القطع، ويكون " اليوم " خبر الابتداء. وأجاز رفع " اليوم " على أنه خبر " بشراكم " /، وأجاز أن يكون " بشراكم " في موضع نصب بمعنى يبشرهم ربهم بالبشرى، وأن ينصب جنات بالبشرى، وفي هذه التأويلات بعد وتعسف وغلط ظاهر. قوله: { خَالِدِينَ فِيهَا } أي: ماكثين فيها لا يتحولون عنها. { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي: خلودهم في الجنة التي وصفت هو النجاح العظيم.