الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً } الآية.

قوله: { قِسِّيسِينَ } هو جمع (قسِّيس) مسلماً، (و) تكسيره على (قساوسة)، أُبدل من إحدى السينات واواً. ويقال: (قَسٌّ) في معناه، وجمعه (قُسُوس)، ويقال للنميمة (قَسَّ).

ورهبان جمعه رهابنة ورهابين.

والمعنى: لتجدن - يا مُحَمَّد - أشد الناس عداوة للذين اتبعوك، فآمنوا بك { ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } ، وهم عبدة الأوثان، ولتجدن أقربهم مودة لمن آمن بك، النصارى.

{ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } عن الحق.

وهذه الآية والتي بعدها نزلت في نفر من نصارى الحبشة لما سمعوا القرآن أسلموا. " وقيل: إنها نزلت في النجاشي ملك الحبشة وَأَصْحَابٍ له أسلموا ".

قال سعيد بن جبير: بعث النجاشي وفداً إلى النبي، فقرأ عليهم القرآن فأسلموا، فأنزل الله فيهم هذه الآية، فرجعوا إلى النجاشي فأخبروه فأسلم.

قال ابن عباس: بعث النبي - وهو بمكة، حين خاف على أصحابه من المشركين - نفراً إلى النجاشي، منهم: ابن مسعود وجعفر بن أبي طالب، فبلغ ذلك المشركين، فبعثوا عمرو بن العاصي في رهط إلى النجاشي يحذرونه من محمد، فسبق أصحاب المشركين، فقالوا للنجاشي: خرج فينا رجل سفه عقول قريش وأحلامها وقد بعث إليك رهطاً ليفسدوا عليك قومك، فأحببنا أن نأتيك بخبرهم، قال: إن جاءوني نظرت فيما يقولون (لي)، فقدم أصحاب النبي، فأتوا باب النجاشي، وقالوا: استأذِنوا لأَولياء الله، فقال: ائذن لهم، فمرحباً بأولياء الله. فلما دخلوا عليه، سلموا، فقال له الرهط من المشركين: ألا ترى - أيها الملك - لم يحيوك بتحيتك! فقال لهم: ما منعكم أن تحيوني بتحيتي. فقالوا له: إِنَّا حَيَّيْنَاكَ بتحيةِ أهل الجنة وتحية الملائكة. فقال (لهم): ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ [قالوا]: هو عبد الله وكلمة من الله وروح منه، ألقاها إلى مريم، ويقول في مريم: إنها العذراء البتول. قال: فأخذ عوداً من الأرض (وقال): " ما زاد عيسى وأمَّه على ما قال صاحبكم قدرَ هذا العود " ، فكره المشركون قوله وتغيرت وجوههم. قال لهم النجاشي: هل تعرضون شيئاً مما أنزل عليكم؟ قالوا: نعم، قال: اقرأوا، فقرأوا، وهناك قسيسون ورهبان ونصارى، فعرفت كل ما قرأوا، وانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، فأنزل الله الآية.

وقال الكلبي: كانوا أربعين رجلاً: اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من رهبان الشام، فأسلموا حين هاجر إليهم المؤمنون وسمعوا القرآن فعرفوا الحق وانقادوا إليه، وكانت اليهود أشد عداوة لمن آمنوا برسول الله يومئذٍ بالمدينة، وكذلك كانت قريش لمن آمن بمكة.

وقيل: إن الذي قرأ على النجاشي هو جعفر بن أبي طالب، قرأ عليه أول سورة مريم.

السابقالتالي
2 3 4 5