الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قوله: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } الآية.



هذه الآية من أدل دليل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ أخبرهم بمكنون سرهم وخفي اعتقادهم. ومعنى قولهم { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ }: " خير الله مُمسَك " وعطاؤه محبوس عن الاتساع عليهم واليد - هنا - بمنزلة قوله تعالى في تأديب نبيه:وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ } [الإسراء: 29] أي: لا تقتر في النفقة حتى تضر بنفسك وبمن معك،(وَ) لاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ } [الإسراء: 29] أي: لا تسرف في الإنفاق والتبذير، فتبقى لا شيء لك. وإنما خصت اليد بأن جعلت في موضع الإمساك والإنفاق، لأن عطاء الناس وبذلهم مَعْروفهم، الغالب عليه باليد، فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضاً بالكرم أو بالبخل بأن أضافوه إلى اليد التي بها يكون العطاء والإمساك، فخوطبوا بما يتعارفونه في كلامهم، فحكى الله عن اليهود أنهم قالوا { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } أي: أنه يبخل علينا بالعطاء كالذي يده مغلولة عن العطاء، تعالى الله عما قال أعداء الله علواً كبيراً.

وقال بعض المفسرين (في) معنى الآية: نعمة الله مقبوضة عنا.

لأنهم كانوا إذا نزل بهم خير، / قالوا: يد الله مبسوطة علينا، وإذا نزل بهم ضيق وجدْبٌ، قالوا: يد الله مقبوضة عنا، أي: نعمته وأفضاله.

وقد قيل: في قوله { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }: أنهما مطر السماء ونبات الأرض، لأن النعم (بهما ومنهما) تكون.

قوله: { غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ } أي: من الخير، { وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ } أي: أبعدوا من رحمة الله عز وجل لقولهم ذلك. وقيل: غلت في الآخرة، وهو دعاء عليهم.

ثم قال تعالى - راداً لما حكى من قولهم -: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } أي: بالبذل والإعطاء، { يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } أي: يعطي: فيحرم هذا ويُقَتِّرُ عليه، ويُوسِّع على هذا.

قال عكرمة ومجاهد والضحاك: قولهم { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } معناه: أنه بخيل ليس بالجواد. وكذلك معنى قول ابن عباس وغيره.

قوله: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } قيل: معناه: نعمتاه الظاهرة والباطنة على خلقه مبسوطتان. وقيل: معناه: نعمتاه، يعني نعمته في الدنيا ونعمته في الآخرة. والعرب تقول: " لفلان عند فلان يد " ، أي: نعمة. وقيل: عنى بذلك القوة، كقوله:أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } [ص: 45] أي: أصحاب القوة والبصائر في الدين.

وقد قيل في معنى قولهم: { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } أي: عن عذابنا، [أي يده مقبوضة عن عذابنا، و] معنى { مَبْسُوطَتَانِ } أي: [مطلقتان].

واليد - عند أهل النظر والسنة في هذا الموضع وما كان مثله - صفة من صفات الله، ليست بجارحة، فعلينا أن نصفه بما وصف به نفسهلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى: 11]، فلا يحل لأحد أن يعتقد الجوارح لله، إذ ليس كمثله شيء، و (أن ما) وقع من ذكر هذا وشبهه، وذكر المجيء والإتيان، صفات لله، لا أنها فيها انتقال وحركة وجارحة، فسبحان من ليس كمثله شيء من جميع الأشياء، فلو أنك أثبت له حركة أو انتقالاً أو جارحة لكنت قد جعلته كبعض الأشياء الموجودة، وقد قال:

السابقالتالي
2