الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

قوله: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ [بِٱلنَّفْسِ] } الآية.

قرأ الكسائي برفع (العين) وما بعده، واحتج له بإجماعهم (على الرفع) فيوَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [القصص: 83]، وقولهوَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الجاثية: 19]، فرفع [ما] بعد (أنّ) فيهما على القطع، فكذلك (العين) وما بعدها.

وقيل: هو معطوف على موضع { ٱلنَّفْسَ (بِٱلنَّفْسِ) }. وقيل: هو معطوف على المضمر الذي في [ٱلنَّفْسَ].

وقال بعض العلماء: من نصب جعله كله مكتوباً في التوراة، من رفع جعل { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } وما بعده ابتداء حكم في المسلمين، وجعل { ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } هو المكتوب في التوراة دون ما بعده. والرفع [قراءة] النبي عليه السلام فيما روي عنه.

ومن نصب { وَٱلْجُرُوحَ } عطفه على ما قبله، وأعمل فيه { أَنَّ } ، و { قِصَاصٌ } الخبر.

ومن رفع قطعه مما قبله، [واختير قطعه مما قبله] لمخالفة خبره خبر ما قبله، ولمخالفة حكمه حكم ما قبله، ولمخالفة إعراب خبره (إعراب) خبر ما قبله، فلما خالف ما قبله، من هذه الوجوه قوي القطع، فرُفع على الابتداء.

والمعنى: وكتبنا على هولاء اليهود الذين يحكمونك - وعندهم التوراة - في التوراة أن يحكموا بالنفس [في النفس] والعين " بالعين " وما بعده.

قال ابن عباس: لم يجعل الله لبني إسرائيل دية، إنما هو النفس بالنفس أو العفو.

فهذا استوى فيه أحرار المسلمين: الرجال والنساء فيما بينهم في النفس، وفيما دون النفس / إذا كان عمداً، ويستوي فيه العبيد: رجالهم ونساؤهم فيما بينهم إذا كان عمداً في النفس، وفيما دون النّفس.

والقصاص من العين هو ظاهر النص، وبه قال علي بن أبي طالب والشعبي والنخعي والحسن ومالك والشافعي وغيرهم و [قراءة] الرفع توجب ذلك، لأنه حكم مستأنف للمسلمين، وليس بحكاية عما في التوراة. والنصب إنما هو حكاية عما في التوراة، فيجوز ألا يكون (حكماً لنا). ويكون القصاص في الأنفس عندنا من قوله تعالى: [ { ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ } الآية، ويجوز أن يكون (حكماً لنا) أيضاً بنص آخر وهو]: { ٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ } ، فيكون هذا بيان أن ذلك حكم لنا.

وأحسن ما روي في صفة الاقتصاص من العين ما فعل " علي " بن أبي طالب: وهو أنه أمر بِمِرْآةٍ فَأحْمِيَتْ، ثم وضع على العين الأخرى قُطناً، ثم أخذ المِرآة بكلبتين. فأدناهما من عينه حتى سال إنسانُ عينه.

وإذا ضرب رجل عين رجل فأذهب بعض بصره وبقي بعض، فالحكم فيها - على ما فعل علي بن أبي طالب -: أن تُعْصَب عينُه الصحيحة، ويعطى رَجُلٌ بيضة ويذهب " بها " ، فحيث ما انتهى بصر المضروب عُلِّمَ، [ثم يرجع فيغطّي] عينه، وتكشف الأخرى، ثم يذهب الرجل بالبيضة فحيث ما انتهى بصر المضروب علم]، ثم يحوّل المضروب فيفعل به من ناحية أخرى في عينيه جميعاً مثل ذلك، ويكال الموضعان فإذا استويا نظر ما بين امتداد نظر الصحيحة والسقيمة، فيعطي من مال الضارب بقسطه، وبذلك قال مالك والشافعي.

السابقالتالي
2 3 4 5 6