الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

قوله: { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ } الآية.

المعنى: أن الله أنزل التوراة فيها هدى لما سألوا عنه من حكم الزانيين المحصنين، وفيها (نور: أي) جلاء مما أظلم عليهم من الحكم.

وقيل: المعنى { فِيهَا هُدًى } أي: بيان أمر النبي، { وَنُورٌ } أي: بيان ما سألوا عنه.

ومعنى قوله { ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ } أي: الذين سلموا لما في التوراة من أحكام الله، فلم يتعقبوا بالسؤال عنه، وليس الإسلام - هنا - ضد الكفر، لأن النبي لا يكون إلا مسلماً مؤمناً، وإنما الإسلام هنا: الانقياد والتسليم، ومثله قول إبراهيم:وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [البقرة: 128] أراد مسلمين لأمرك، منقادين لحكمك بالنية والعمل، وكذلك قولهأَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة: 131] أي: سلمت لأمره.

ومعنى { لِلَّذِينَ هَادُواْ } أي: يحكم بالتوراة النبيون والربانيون والأحبار { لِلَّذِينَ هَادُواْ } ، أي: عليهم، فاللام بمعنى " على " ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: " اشترطي لهم الولاء أي: عليهم، ولم يأمرها بأن تشترط الولاء لهم، وهو لا يجوز، (فلا يأمرها بفعل ما لا يجوز)، وإنما أمرها بفعل ما يجوز، وهو أن يكون الولاء لها، فلما اشترطوا الولاء لأنفسهم قال صلى الله عليه وسلم: ما بال قوم يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ".

وقيل: المعنى: للذين هادوا (و) عليهم، أي: يحكمون لهم (و) عليهم، ثم حذف لدلالة الكلام عليه.

وقيل: المعنى: فيها هدى ونور للذين هادوا، يحكم بها النبيون الذين أسلموا والربانيون والأحبار.

(و) عني بالنبيين - هنا - محمد صلى الله عليه وسلم ومن قبله، قاله السدي وقتادة و [غيرهما].

وروي (أن) النبي صلى الله عليه وسلم قال - لما نزلت هذه الآية -: " نحن - اليوم - نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان ".

والأحبار: [العلماء] [الحكماء]، واحدهم حَبْرٌ، وقيل: حِبْرٌ. وسموا أحباراً، لأنهم يحبرون الشيء، فهو في صدورهم مُحَبّرٌ.

وسمي الحبر - الذي يكتب به - حبراً، لأنه يحبر به، أي: يكتب به.

وقال الفراء: التقدير فيه: مداد حِبْرٍ، (لأن العالم يقال له " حِبْر " فإذا [قلت: " هذا] حِبْرٌ " للمداد، فالمعنى: مداد حِبْرٍ)، أي: مداد عالم، ثم تحذف مثلوَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [يوسف: 82].

وقال الأصمعي: (إنما سمي) الحبر - الذي هو المداد - حِبْراً لتأثيره، يقال: " على [أسنانه] حبرَةٌ " أي: صُفْرَةٌ أو سَوَادٌ.

{ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ }: القراء والفقهاء. وقيل: الفقهاء والعلماء. و " قال ابن زيد: الربانيون ": الولاة، والأحبار: العلماء ". والرَّبَّاني - عند أهل اللغة -: رب العلم، أي: صاحبه، والألف والنون للمبالغة.

وقيل: معنى { لِلَّذِينَ هَادُواْ }: للذين تابوا من الكفر، أي: يحكم هؤلاء بما في التوراة للذين " تابوا " من الكفر.

السابقالتالي
2