الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

قوله { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ } الآية.

هذه الآية نزلت في أبي لبابة قال: " لبني قريظة - حين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم -: إنما هو الذبح فلا تنزِلوا على حكم سعد ". وقيل: (إنّه) إنما أشار إليهم بيده إلى حلقه يريد أنه الذبح إن نزَلتم على حكم سعد.

وقيل: " إنها " نزلت في عبد الله بن صوريا ارتد بعد إسلامه، وأُمِر النبي ألاّ يَحزن عليه: وقال أبو هريرة: إن أحبار اليهود اجتمعوا في أمر رجل (زنى بامرأة) وهما محصنان، فقالوا: امضوا بنا إلى محمد فَسَلوه كيف الحكم فيهما: فإنْ حَكَم بعملكم من التحميم - وهو الجَلد بحبل من ليف مطلي بِقارٍ - ثم يُسَوَّد وجهه ثم يُحمل على حمار ويُحوَّل وجهه ما يلي دُبُر الحمار، وكذلك يُفعل بالمرأة، فاتَّبِعوه وصدِّقوه، فإنه ملك، وإن (هو) حكَم بالرجم فاحْذَروه على ما في أيديكم.

فأتوا النبي، فمشى النبي عليه السلام حتى أتى أحبارهم (فقال لهم): أَخرِجوا إليَّ أعلمَكم، فأخرَجوا ابنَ صوريا الأعور - وكان أحدثَهم سنّاً - فخلا به النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا ابن صوريا أُذكِّرك أيادِيَ الله عند بني إسرائيل، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه في التوراة بالرجم؟، فقال: اللّهم نعم، أما واللهِ يا أبا القاسم إنهم ليعلمون أنك نبي مرسل، ولكنهم يحسدونك! فخرج (رسول الله) فأمر بهما في جماعة - عند باب مسجده - فرُجما، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا، فأنزل الله: { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } الآية.

وقال البراء: مُرَّ (على) النبي بيهودي مُحمَّمٍ مجلودٍ، فدعا النبي رجلاً من علمائهم فقال: [هكذا] تجدون حد الزاني فيكم؟

قال: نعم، قال: فأُنشِدك بالذي أنزل التوراة على موسى، هكذا تجدون حد الزاني؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني ما حَدّثتك، ولكن كثر الزنى في أشرافنا، فكنّا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع فنضع شيئاً مكان الرجم فيكون على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم) أنا أول من أحيا أمرك إذ أماتوه!، فأمر به فرجم، فأنزل الله { لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } الآية.

وذكر ابن حبيب أن اليهود أنكرت أن يكون الرجم في التوراة فرضاً عليهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: مَن أعلَمُكم يا معشر يهود؟ قالوا: ابن صوريا - وهو غلام منهم أمرد أبيض أعور - فدعاه (رسول الله)، [فقال " له " ]: أنت أعلم يهود؟، قال: كذلك يزعمون، قال له رسول الله: فماذا تجدون (في الرجم) في كتاب الله الذي أنزله على موسى؟ قال: يا محمد إنهم يفضحون الشريف ويرجمون الدني، وجعل [يَرُوغ] عما في كتابهم، فنزل جبريل عليه السلام على (رسول الله) صلى الله عليه وسلم فقال له: اِسْتَحْلِفْه بما آمرك به، فإن حلف وكذب، احترق بين يديك وأنت تنظر، فقال له رسول الله - وهو الذي أمره به جبريل -:

أُنشِدك الله الذي لا إله إلا هو القوي، إلَه بني إسرائيل الذي [أخرجكم] من مصر وفرق لكم البحر - وأحلفه بأشياء كثيرة - هل تجد في التوراة آية الرجم (على) المحصن؟، قال: نعم، والله يا محمد لو قلتُ غير هذا لاحترقتُ بين يديك وأنت تنظر.

السابقالتالي
2 3 4