الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ }

قوله: { إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ } الآية.

روي عن ابن عامر: (الحواريون) بالتخفيف، استخفافاً، والتشديد الأصل.

ومعنى الآية: أنهم سألوا ذلك ليثبتوا في صدقه، كما قال إبراهيمرَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ } [البقرة: 260].

وقيل: إنهم إنما سألوا (هذا) قبل أن يعلموا أن عيسى يبرئ الأكمه، ويحيي الموتى، فسألوه آية.

ومعنى: { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ } ، أي: ينزل علينا ربك مائدة، كما تقول للرجل: " أتستطيع أن تنهض معي في كذا؟ " ، وأنت تعلم أنه مستطيع، وإنما تريد: " أتنهض معي في كذا؟ ".

وقيل: معناه: هل يستجيب لك ربك إن سألته؟.

وقال الحسن: المعنى: هل ربك فاعل بنا ذلك؟. والعرب تقول: " ما أستطيع ذلك " ، أي: ما أنا فاعل ذلك، وهو يستطيع.

وقيل: إنهم سألوه قبل أن يكونوا مؤمنين محققين، ثم آمنوا بعد ذلك، ودل على ذلك استعظام عيسى لقولهم، وقوله لهم: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }.

قال ابن شهاب: قال ابن عباس: قال عيسى لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوماً، ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم، فإن أجر العامل على مَن عمل له!، [ففعلوا ثم قالوا: يا معلّم الخير، قلتَ لنا: " إن أجر العامل على مَن عمل له " ]، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوماً، ففعلنا، ولم نكن نعلم لأحد ثلاثين يوماً إلا أطعمنا - حين فرغ - طعاماً، فهل يستطيع ربك أن ينزّل / علينا مائدة من السماء؟ فقال عيسى: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } ، فاعتذروا بقولهم: { نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } أي: بنبوتك، ونعلم صدقك، فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء، عليها سبعة (أرغفة وسبعة أحوات) حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم.

قال السدي المعنى: " هل يطيعك ربك إن سألته ".

وقرأه الكسائي بالتاء، ونصب (ربَّك)، ومعناها: أن الحواريين لم يكونوا شاكين، إنما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك؟.

قالت عائشة: كان الحواريون لا يشكون أن الله قادر على أن ينزل عليهم مائدة.

(و) روي عنها أنها قالت: كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا: { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ }.

(و) تقدير قراءة الكسائي: هل تستطيع مسألة ربك أن ينزل علينا مائدة.

والمائدة فاعلة، من مادَ فلان القوم يميدهم: إذا أطعمهم. قال أبو عبيدة: (مائدة) من العطاء، وهي " فاعلة " بمعنى مفعولة وقال الزجاج: " مائدة: فاعلة من مادَ يميد: إذا تحرك " ، ومنه ماد الرجل في البحر: إذا دار رأسه وقيل: المائدة: المطعمة، كأنها الطاعمة.

ومعنى قوله: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي: اتقوه أن تَنزِل بكم عقوبة، فإن الله سبحانه لا يعجز عن شيء أراده، فلا تَشُكّوا في قدرته هذا على قراءة الجماعة.