قوله: { يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } الآية. وهذه الآية - عند أهل المعاني - من أشكل ما في القرآن إعراباً! ومعنى وحكماً. فقوله: { شَهَادَةُ } رفع بالابتداء، و { ٱثْنَانِ } الخبر، والتقدير: فيه شهادة اثنين، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقيل: التقدير: عدد شهادة بينكم اثنان، ثم حذف، و " ما " محذوفة مع " بينكم " ، تقديره: ما بينكم، و [ " ما " المحذوفة] إشارة إلى التنازع والتشاجر. وقيل: { ٱثْنَانِ } رفع بفعلهما، والتقدير: ليكن منكم أن يشهد اثنان. وقيل: { إِذَا حَضَرَ } خبر الشهادة: لأنها مستأنفة ليست واقعة لكل الخلق، و { ٱثْنَانِ } - على هذا - رفع بفعلهما، تقديره أن يشهد اثنان، ودل على ذلك { شَهَادَةُ } المتقدم ذكرها. قوله: { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ } { آخَرَانِ }: ارتفعا بفعل مضمر، و { يَقُومَانِ } نعت، و { ٱلأَوْلَيَانِ } بدل من { آخَرَانِ } أو من المُضمر في { يَقُومَانِ }. روى اسحاق الأزرق عن أبي بكر عن عاصم (شهادةٌ) بالتنوين، (بينكم) بالنصب، وهي مروية عن الأعرج. ورُوي عن أبي عبد الرحمن المقريُ { شَهَادَةَ } بالنصب والتنوين على: " ليشهد اثنان شهادةً " ، فهو مصدر. (و) روى عبد الله بن مسلم { وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ } بالنصب فيهما وتنوين (شهادةً) على معنى: لا نكتم الله شهادةً. وقيل تقديره: ولا نكتم شهادة والله، فلما حذفت الواو تعدى الفعل [إلى] المُقسم به فنصب. وقرأ الشعْبي (شهادةً) بالتنوين، (اللهِ) بالخفض على القسم، أعمل الحرف وهو محذوف، وقد أجازه سيبويه، ومنع ذلك غيره. وقرأ أبو عبد الرحمن { وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ } بالمد، جعل ألف الاستفهام عوضاً من حرف القسم، فخفض بها كالحرف. وقرأ ابن محيصن: [(إنا إذاً لملاثمين)] أدغم النون في اللام، وهو بعيد في العربية، وهو مثل (عادً [لوُلَى] في قراءة نافع، وإنما بعد، لأن اللام حكمها السكون، والحركة التي عليها إنما هي للهمزة، والمدغم لا يدغم أبداً إلا في متحرك أصلي، وليست اللام بأصلية الحركة. ومعنى الآية: يا أيها الذين آمنوا ليشهد بينكم - إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية - اثنان ذوا عدل منكم، (أي من المسلمين وقيل: من أهل الموصي. والأول أكثر. قال الحسن: { ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } أي: من العشيرة، لأن العشيرة أعلم بالرجل وماله وولده، وأجدر ألا ينسوا ما يشهدون عليه، فإن لم يكن من / العشيرة أحد، فآخران من غير العشيرة، فإن شهدا - وهما عدلان - مضت شهادتهما، وإن ارتيب في شهادتهما حبسا بعد صلاة العصر فيقسمان بالله { لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ } ، فتمضي شهادتهما إذا حلفا، وإنما استُحلفا، لأنهما وصيان شاهدان، فإن اطلع - بعد ذلك - أنهما شهدا بزور، حلف وليان من الورثة، واستحقا ما حلفا عليه، وهو معنى قوله: { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً } أي: (حلفاً) زوراً، { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } أي: مقام الشاهدَيْن، { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا } أي: لَيمَينُنا أحق من يمينهما، { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ } ، أي: يأتي الشاهدان بالشهادة على حقها، ولا يغيّرانها.