الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

قوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } الآية.

هذه الآية: نزلت في سبب أقوام سألوا النبي مسائل امتحاناً له، فيقول له بعضهم: (من أبي)؟، ويقول بعضهم إذا ضَلَّت ناقته: أين ناقتي؟، فنهى الله عن ذلك.

قال أنس: " سأل الناس النبي حتى أحفوه بالمسألة، فصعد المنبر ذات يوم وقال: لا تسألوني عن شيء إلا بينتُ لكم. فألقى الناس ثيابهم على رؤوسهم يبكون، فأنشأ رجل كان إذا لاحى دعي بغير أبيه - فقال: يا رسول الله، من أبي؟، قال: حذافة، فقام عمر فقبّل رِجلَ رسول الله فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، أعوذ بالله من شر الفتن. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده: لقد صُوِّرَت مثل (النار والجنة) آنفاً في عُرض هذا الحائط، فلم (أر كاليوم) في الخير والشر. قال الزهري: فقالت أم عبد الله بن حذافة له: ما رأيت ولداً أعقَّ منك قط!، أكنت تأمن أن تكون أمُّك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية، فتفضحها على رؤوس الناس؟، فقال: والله لو ألحقني بعبد / أسود للحقته ".

وقال أبو هريرة: " خرج رسول الله صلى الله عليه - وهو غضبان - حتى جلس على المنبر، فقام إليه رجل (فقال): أين أنا؟ فقال: في النار. و (قام آخر فقال): من أبي؟، قال: (أبوك) حذافة. فقام عمر (وقال): رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً، فنزلت هذه الآية ".

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " لما نزلت هذه الآية { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } ، قالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟، فسكت، ثم قالوا: أفي كل عام؟، فسكت، ثم قال: لا ولو قلت " نعم " لوجب، فأنزل (الله) الآية ".

وروي أنه قال " لما كرر عليه السؤال: والذي نفسي بيده، لو قلت: " نعم " لوجبت، (ولو وجبت) عليكم، ما أطعتموه، ولو تركتموه لكفرتم، فأنزل الله { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } الآية ".

وروي عنه أنه قال: " لو قلت " (نعم) " لوجبت، و (لو وجبت) ثم تركتم، لهلكتم، أسكتوا ما سكتَّ عنكم، فإنما هَلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فأنزل الله الآية ".

وهذه القصة فيها ثلاثة فصول من النظم مختلفة:

فمن قوله: { يٰأَيُّهَا } إلى قوله: { تَسُؤْكُمْ }: نهى عن السؤال للنبي فيما لا يعنيهم، فهذا فصل.

- والثاني: قوله: { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا } إلى { لَكُمْ } ، والمعنى: وإن تسألوا عن أشياء أُخَر - غير الأول - تظهر لكم، (لأن) الله قد نهاهم عن السؤال، فكيف (يبيح لهم) ذلك؟ إنما تقديره: وإن تسألوا عن غيرها حين ينزل القرآن تظهر لكم، فيكون الكلام فصلاً ثانياً (مبيناً على حذف) المضاف وهو " غير " ، إذ قد امتنع أن يقول لهم: لا تسألوا عن ذلك، وإن تسألوا عنه حين ينزل القرآن يظهر لكم، فلما امتنع هذا لم يكن بد من تقدير حذف.

السابقالتالي
2