قوله: { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } إلى قوله: { فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } الآيات. من قرأ قَتلوا أو قُتلوا على ما لم يسم فاعله، فالمعنى سيهديهم إلى جنته ويصلح شأنهم فيها بالنعيم المقيم وغفران الذنوب ويدخلهم إياها، ويجوز أن يكون المعنى: سيهدي من بقي منهم حيّاً كما قال:{ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ } [آل عمران: 146] أي: فما وهن من بقي منهم، ومن قرأ " قاتلوا " فالمعنى: سيوفقهم في الدنيا إلى الرشد والعمل الصالح ويصلح فيها حالهم حتى يتوفاهم على ما يرضاه منهم ويدخلهم الجنة في الآخرة. { عَرَّفَهَا لَهُمْ } أي: زينها لهم، قال أبو سعيد الخدري: إذا نجّى الله المؤمنين من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ثم يؤذن لهم بالدخول إلى الجنة، قال: فما كان المؤمن بأدل بمنزله [في الدنيا منه بمنزله] في الجنة حتى يدخلها. قال مجاهد: يهتدي أهل الجنة إلى بيوتهم ومساكنهم منها لا يخطئون كأنهم سكانها منذ خلقوا لا يستدلون عليها بأحد. قال ابن زيد: بلغنا عن غير واحد أنه يدخل أهل الجنة وهم أعرف بمنازلهم فيها من منازلهم في الدنيا التي يختلفون إليها في عمر الدنيا، فذلك قوله: { عَرَّفَهَا لَهُمْ }. قال / سلمة بن كهيل معناه: عَرَّفهم طرقها. وقيل معناه: طَيَّبَها لهم، يقال طعام مُعَرَّفٌ: أي: مطيب. وقيل معناه: رفعها لهم، مأخوذ من عُرْف الدابة. وقيل معناه: عرَّف المكلفين من عباده أنها لهم. ثم قال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }. أي: إن تنصروا دين الله أو أولياء الله أو رسول الله ينصركم على عدوكم ويثبت أقدامكم، إذا لقيتم عدوكم فلا تفروا منه لكثرة عددهم وقلة عددكم. وقيل معناه: ويثبت أقدامكم في موقف الحساب بأن يجعل الحجة لكم. ثم قال: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ } قال ثعلب: التعس: الشر، قال: وقيل هو البعد. قال: والنكس: قلب أمره وفساده. قال ابن السكيت: التعس أن يخر على وجهه، والنكس على رأسه قال: والتعس أيضاً الهلاك. قال الزجاج التعس في اللغة: الانحطاط والعثور. قال ابن زيد: فتعساً لهم: فشقاء لهم. ودخلت الفاء في " فتعساً لهم " لأن " " الذين " فيه إبهام أشبه به الشرط، فدخلته الفاء في خبر " هم " كما تدخل في جواب الشرط، وجواب الشرط هو " أن " لخبر الابتداء في أكثر أحكامه. وقوله: { وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }. أي: أبطلها وأتلفها، والمعنى: أن هؤلاء القوم ممن يجب أن يقال لهم أتعسهم الله، أي: أخزاهم الله، وهذا مما يدعى به على العاثر. وقوله: { وَأَضَلَّ } أتى على الخبر حملاً على لفظ { ٱلَّذِينَ } لأنه خبر في اللفظ فدخلت الفاء حملاً على المعنى، وأتى { وَأَضَلَّ } حملاً على اللفظ، وهذا يسميه بعض أهل المعاني الإمكان: [أي] يمكن هذا فيه (ويمكن هذا فيه).