قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } إلى قوله: { ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }. من جعل الشاهد عبد الله بن سلام أو غيره من مؤمني بني إسرائيل، كان المعنى عنده: وقال الذين كفروا من بني إسرائيل للذين آمنوا بمحمد عليه السلام منهم: لو كان إيمان هؤلاء بمحمد صلى الله عليه وسلم خيراً ما سبقونا إلى ذلك. ومن جعل الشاهد في هذه الآية موسى صلى الله عليه وسلم كان المعنى عنده: وقال مشركو قريش لمن آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم: لو كان الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه، وهذا التأويل قول قتادة. قال: ذلك ناس من المشركين، قالوا: نحن أعز به ونحن ونحن، فلو كان الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم خيراً ما سبقنا إليه فلان وفلان يعنون عماراً وبلالاً وصهيباً وأصنافهم، فأنزل الله جل ذكره:{ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } [البقرة: 104]. قال الحسن: أسلم " أسلم " " وغفار " فقالت قريش: لو كان خيراً ما سبقونا إليه. وقال الزجاج: أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار، فقال بنو عامر وغطفان وأشجع وأسد: لو كان ما دخل فيه هؤلاء من الدين خيراً ما سبقونا إليه، إذ نحن أعز منهم وإنما هؤلاء رعاة البهم. وفي قوله: { سَبَقُونَآ } خروج من خطاب إلى غيبة، ولو جرى على صدر الكلام في الخطاب لقال: ما سبقتمونا، ولكنه كلام فصيح حسن كثير في كلام العرب والقرآن، ويجوز أن يكون قال: { مَّا سَبَقُونَآ } على أن يكون قاله الكفار لبعض المؤمنين، فيكون على بابه لم يخرج من شيء إلى شيء، فقيل: إنه قول وقع في أنفسهم ولم يقولوه ظاهراً بأفواههم. وقوله: { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ }. أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ }. أي: هذا القرآن أكاذيب من أخبار الأولين قديمة. ثم قال: { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً }. أي: ومن قبل هذا القرآن كتاب موسى أنزلناه عليه، " فالهاء " تعود على القرآن المتقدم ذكره في قوله:{ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } [الأحقاف: 9] وهو التوراة إماماً لبني إسرائيل يأتمون به، ورحمة لهم. ثم قال: { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ } يعني: القرآن مصدق للتوراة. وقيل: مصدق لمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به. وقوله: { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } نصبه على الحال من المضمر في { مُّصَدِّقٌ }. وقيل: هو حال من { كِتَابٌ } لأنه لما نعت قرب من المعرفة فحسنت الحال منه. وقيل: هو منصوب " بمصدق " ، وفيه بعد؛ لأنه يصير المعنى أن القرآن يصدق نفسه، فيصير التقدير: وهذا القرآن مصدق نفسه؛ لأن اللسان العربي هنا هو القرآن، وهذا المعنى ناقص إذا تأملته.