قوله تعالى: { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } - إلى قوله -: { مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } ، أي: ولا يمنعكم الشيطان من اتباع الحق. { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي: ظاهر العداوة. ثم قال تعالى: { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ } ، أي: ولما جاء عيسى) بني إسرائيل بالآيات الواضحات. يعني: المعجزات. وقيل: بالبينات: بالإنجيل: قاله قتادة، قال لهم قد جئتكم بالحكمة. قال السدي: الحكمة ها هنا النبوءة. وقيل: الحكمة: الإنجيل. ثم قال: { وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ }. قال أبو عبيدة: " بعض " بمعنى: " كل " وَرَدَّ ذلك أكثر العلماء لأن فيه التباسَ المعاني وفسادَ الأصول ونقضَ العربية. والمعنى عند الزجاج: ولأبين لكم في الإنجيل بعض الذي تختلفون فيه. (فبين لهم) من غير الإنجيل ما احتاجوا إليه. وقيل معناه: إنه يبين لهم بعض الذي اختلفوا فيه من أحكام التوراة على مقدار ما سألوه عنه، ويجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عن بيانها. قال مجاهد معناه: ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه من تبديل التوراة. وقيل المعنى: إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موسى في أشياء من أمر دينهم، وأشياء من أمر دنياهم، فبين لهم عيسى بعض ما اختلفوا فيه وهو أمر دينهم خاصة، فلذلك قال: { بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ }. ثم قال: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } ، أي: فاتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، وأطيعون فيما أقول لكم. { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } ، أي: إن الذي يستوجب الإفراد بالعبادة هو الله. { هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } ، أي: هذا الذي أمرتكم به هو الطريق المقوم الذي لا يوصل إلى رضى الله إلا باتباعه. ثم قال تعالى: { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ }. قال قتادة: الأحزاب هنا، هم الأربعة الذين أخرجهم بنو إسرائيل يقولون في عيسى. ذكر ابن حبيب أن النصارى افترقت في عيسى بعد رفعه على ثلاث فرق: فرقة قالت: هو الله، هم اليعقوبية قال الله عنهم:{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } [المائدة: 17]. وفرقة ثانية قالت: هو ابن الله، وهم النسطورية. وهم الذين قال الله فيهم:{ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [التوبة: 30]. وفرقة ثالثة قالت: هم ثلاثة: الله إله، وعيسى إله، وأمه إله وهم الملكانية. وهم الذي قال الله فيهم:{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } [المائدة: 73]. فالنصارى فيه إلى اليوم على هذه الثلاث فرق. وكانوا فيه - إذ كان بين أظهرهم - على فرقتين: فرقة آمنت به، وفرقة كفرت به - وهم الأكثر - ثم لما رفع اختلفوا / فيه على هذه الأقوال الثلاثة. وقال السدي: " الأحزاب: اليهود والنصارى ". ومعنى من بينهم، أي: من بين من دعاهم عيسى إلى ما دعاهم إليه من اتقاء الله والعمل بطاعته.