الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } * { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } * { بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } * { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } * { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }

(قال تعالى: { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ } ، إلى قوله: { عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } ، معناه: لم يتخذ ذلك فأنتم أيها المشركون مبطلون في قولكم (تعالى عن ذلك علواً) كبيراً.

وهذا لفظ استفهام معناه التوبيخ، أي: كيف يتخذ البنات على قولكم وأنتم (لا ترضونهن) لأنفسكم (أفأصفاكم واختصكم) بالبنين.

ثم قال تعالى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً } أي: وإذا بشر أحد هؤلاء الجاعلين لله سبحانه من عباده جزءاً بما وصف ربه به من اتخاذ البنات سبحانه وتعالى صار وجهه مسوداً وهو كظيم، أي حابس لغمه وحزنه وكربه.

قال قتادة: " وهو كظيم، أي: حزين ".

ثم قال: { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } " من " في موضع رفع بالابتداء.

ويجوز أن يكون في موضع نصب ترده على { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ } فتبدله من البنات.

ويجوز أن يكون في موضع خفض (تبدله من " ما " ) في قوله: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً }.

وفي جواز هذين الوجهين في البدل ضعف لدخول ألف الاستفهام قبل " من " فهي تحول بين البدل والمبدل منه.

والمعنى: أجعلتم لله جزءاً ممن يرى في الحلية ويتزين بها، وهو في مخاصمة من خاصمه غير مبين لحجته وبرهانه لعجزه وضعفه. ففي الكلام حذف استغني عنه - بدلالة ما ذكر بعده.

والتقدير: أو من ينشأ في الحلية يجعلون لله نصيباً. قال ابن عباس: عنى بذلك المرأة.

وقال مجاهد: " رخص للنساء في الحرير والذهب، وهن الجواري؛ جعلوهن للرحمن ولداً؛ كيف يحكمون ".

قال قتادة: " جعلوا لله البنات وهم إذا بشر أحدهم بهن ولّى وجهه مسوداً وهو كظيم ".

وقال قتادة: وقوله: { وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } يعني النساء فقلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها.

وقال ابن زيد (عنى) بذلك أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، يضربونها من (فضة وذهب) ويعبدونها، فهم أنشؤوها ضربوها من تلك الحلية ثم عبدوها، وهي لا تتكلم ولا تبين عن نفسها شيئاً.

ثم قال تعالى: { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } ، أي: ووصفوا الملائكة بهذا الوصف.

فجعل هنا بمعنى " وصف " تقول: جعلت فلان أعلم الناس /، أي: وصفته بهذا. يتعدى إلى مفعول واحد (في الأصل).

ثم قال: { أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ } هذا على التقرير والتوبيخ لهم، ومعناه: لم يشهدوا خلق الملائكة، فكيف تجرؤوا على وصفهم بالإناث.

ثم قال تعالى: على التهدد والوعيد لمن فعل ذلك (ولمن يقول ذلك): { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } ، أي: يسألون عن قولهم وافترائهم يوم القيامة، ولن يجدوا إلى الاعتذار من قولهم سبيلاً.

السابقالتالي
2 3