قوله تعالى: { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ } - إلى قوله - { ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }. قال ابن عباس والضحاك: هذا مثل قوله تعالى:{ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ } [البقرة: 28] الآية. وقال قتادة: كانوا أمواتاً في أصلاب أبائهم فأحياهم الله عز وجل في الدنيا، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها، ثم أحياهم للبعث، فهاتان حياتان وموتتان. وقال السدي: أُميتوا في الدنيا، ثم أُحيوا في قبورهم فسئلوا وخوطبوا ثم أميتوا في قبورهم، ثم أحيوا في الآخرة. وقال ابن زيد: خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق، وأماتهم، ثم خلقهم في الأرحام، ثم أماتهم في الدنيا، ثم أحياهم في الأخرة. وقوله تعالى: { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } ، أي: فأقررنا بذنوبنا، فهل إلى خروج من النار لنا سبيل، فهل إلى كرة فنرجع إلى الدنيا فنعمل غير الذي كنا نعمل. ثم قال تعالى: { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ }. في الكلام حذف؛ والتقدير: فأجيبوا أن لا سبيل إلى الخروج، ذلكم العذاب بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم، أي: إذا وحده موحد أشركتم وإن أشرك به مشرك صدقتموه. وذكر ابن وهب عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: لأهل النار خمس دعوات، يكلمهم الله في الاربعة فإذا كانت الخامسة سكتوا: { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ }. قال: فيراجعهم بهذه الآية: { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ } الآية. ثم يقولون:{ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [السجدة: 12] قال: فيرد عليهم:{ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } [السجدة: 13] - إلى -{ أَجْمَعِينَ } [السجدة: 13]. ثم يقولون:{ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } [إبراهيم: 44]. قال: فيراجعهم بهذه الآية:{ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } [إبراهيم: 44]. قال: ثم يقولون:{ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [فاطر: 37] فيراجعهم:{ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ } [فاطر: 37]. قال: ثم يقولون:{ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } [المؤمنون: 106]، قال: فيراجعهم:{ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108]. قال: فكان آخر كلامهم ذلك. قال أبو محمد: وفي بعض رواية هذا الحديث تقديم وتأخير فيما ذكرنا. ثم قال تعالى: { فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ }. أي فالقضاء لله، لا لما تعبدونه، العلي على كل شيء، الخبير الذي كل شيء دونه متصاغر له. ثم قال تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } ، أي: الله هو الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته. { وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } ، يعني: الغيث، يخرج به أقواتكم وأقوات أنعامكم. { وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } ، أي: ما يتذكر حجج الله عز وجل وأدلته على قدرته ووحدانيته فيتعظ ويعتبر إلا من يرجع إلى توحيد الله سبحانه وطاعته جلت عظمته.