الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }

قوله: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } الآية.

هذه الآية نزلت في الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، رجعوا إلى المدينة، وقالوا لأصحاب النبي عليه السلام:لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ } [آل عمران: 167] فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فرقة تقول: نقتلهم، وفرقة تقول: لا، فنزلت: { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } أي: فرقتين { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } أي: ردهم إلى أحكام أهل الشرك في إباحة دمائهم، وذلك بما كسبوا من خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال مجاهد وغيره: نزلت في قوم أتوا مكة: زعموا أنهم مهاجرون، ارتدوا بعد ذلك، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم، فاختلف فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ففرقة تقول: إنهم منافقون، وفرقة تقول: هم مؤمنون، فأنزل الله الآية.

وقيل: نزلت في قوم قدموا المدينة مسلمين فأقاموا ما شاء الله، ثم استوخموا المدينة، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى البادية، فأذن لهم، فتكلم الناس فيهم، واختلفوا في نفاقهم وإيمانهم فأعلمهم الله بنفاقهم وأعلمهم أنه أركسهم بما كسبوا من المعاصي: أركسهم في النفاق بذنوبهم.

وقيل: { أَرْكَسَهُمْ } معناه أضلهم.

ثم قال مخبراً عنهم { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ } فدل على أنهم ارتدوا، وأن النفاق كفر، وقوله تعالى { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } يدل على أنهم قوم كانوا بمكة يَدَّعون الإيمان، وليسوا بمؤمنين وهو قول ابن عباس وعمر وغيرهما.

وقيل: إنهم لما خرجوا يريدون البادية مضوا إلى مكة فاختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أمرهم، فأوضح الله عز وجل خبرهم، وحكمهم في هذه الآية.

وقال معمر: كتب ناس من أهل مكة إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون لهم: إنهم قد أسلموا، وكان ذلك منهم كذباً، فلقيهم المسلمون بعد ذلك، فاختلفوا فيهم، فقالت طائفة: دماؤهم حلال، وقالت طائفة: دماؤهم حرام فأنزل الله الآية، وهم ناس لم يهاجروا وأقاموا بمكة، وأعلنوا الإيمان فاختلف فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عباد: هم قوم كانوا بمكة فكلموا بالإسلام وكانوا يعاونون المشركين على المسلمين فخرجوا من مكة في حاجة، فاختلف فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية. وقال ابن زيد: هذا نزل في شأن ابن أبي حين تكلم في عائشة بما تكلم به.

وأركسهم: ردهم، وقيل: أوقعهم وقيل: أضلهم وأهلكهم.

وقال القتبي: أركسهم نكسهم وردهم في كفرهم، ، وحكى الفراء أركسهم وركسهم بمعنى ردهم إلى الكفر.

قوله: { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } الآية.

هذا تبعيد لهدي من أضل الله { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي: طريقاً مستقيماً، وقيل: سبيلاً إلى الحجة.