الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } الآية.

هذا وعيد من الله عز وجل لمن أقام على الكفر وأعرض عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به { سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } أي نلقيهم في النار.

وقيل المعنى: سوف نشويهم بنار. يقال أصليته: ألقيته في النار وصليته شويته، فنلقيهم أولى بالمعنى لأنه رباعي.

قوله: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } أي احترقت واشتوت.

قال ابن عمر: إذا احترقت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها بيضاء مثل القراطيس.

قال الحسن: تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة، كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيكونون كما كانوا. قال الربيع: سمعنا أنه مكتوب في الكتاب الأول أن جلد أحدهم أربعون ذراعاً، وسنه تسعون ذراعاً، وبطنه لو وضع فيه جبل وسعه، فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلوداً غيرها. قال الحسن: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة. قال: وغلظ جلد الكفار أربعون ذراعاً، والله أعلم بأي ذراع.

وإنما جاز أن يبدلوا جلوداً غير جلودهم التي كانت في الدنيا فيعذبون منها وهي لم تذنب، لأن الألم إنما يصل إلى الإنسان الذي هو غير الجلد واللحم، وإنما تحرق النار الجلد ليصل الألم إلى الإنسان، وينعم ليصل النعيم إلى الإنسان، وليس يألم الجلد ولا اللحم وإنما يألم الإنسان، ألا ترى أنه لو مات وحرق الجلد واللحم لم يكن ألم ثابت يحس، وإنما هو بمنزلة الجندل إذا زالت الإنسانية منه.

وقيل: المعنى: بدلناهم جلوداً غير محرقة، أي يصير الجلد (غير) محرق، وهو كما تقول: صغ لي خاتماً من هذه الفضة، فإذا تم الخاتم فهو الفضة بعينها.

وقيل: المعنى: كلما نضجت سرابيلهم بدلوا سرابيل من قطران غيرها، فجعلت السرابيل لهم جلوداً لملازمتهم لها كما يقال: الشيء الخاص بالإنسان هو الجلدة ما بين عينيه لملازمته لها. وقد أخبر الله بلباسه السرابيل من قطران فقالسَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } [إبراهيم: 50] فأما جلودهم فليس تحرق لأن في احتراقها فناءها، وفي فنائها راحتها وجواز فناء غيرها من أجسامهم ولحومهم. وقد أخبر الله تعالى أنهم لا يخفف عنهم ولا يموتون.

والاختيار عند أهل النظر أن يكون الجلد الأول أعيد جديداً كما كان، كما تقول صغت من خاتمي خاتماً فأنت وإن غيرت المصوغة، فالفضة واحدة لم تبدلها.

قوله: { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } أي: فعلنا ذلك ليذوقوا العذاب أي: ألمه وشدته { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً } أي: لم يزل عزيزاً في انتقامه لا يقدر على الامتناع منه أحد { حَكِيماً } في تدبيره وقضائه.