الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

قولهم: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } الآية.

الكَره والكُره لغتان بمعنى عند البصريين والكسائي.

وقال الفراء: الكَره بالفتح أن يكون على الشيء، والكُره المشقة، هذا معنى قوله.

وقال القتبي: الكره بالفتح بمعنى القهر والضم بمعنى المشقة.

ومعنى الآية عند أبي بكير وغيره: أنها نهي للرجل يحبس المرأة، وليس له بها حاجة رجاء أن يرثها، ونهاه أن يعضلها حتى تفتدي منه بما أخذت منه، أو ببعضه.

وقوله: { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } ، معناه أن تشتم عرضه، أو تخالف أمره وتبذو عليه، فكل فاحشة (نعتت) مبينة فهي من البَذاء باللسان، وكل فاحشة مطلقة فهو الزنا، والزنا يُسْتَر ويَخفى، فلا تكون مبينة، والنطق بالبذاء يظهر، فهو مبين من لسان فاعله، ودل (على) ذلك قوله:يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } [الأحزاب: 30] عنى بذلك مخالفة (أمر) الرسول صلى الله عليه وسلم والأذى بالنطق ونعوذ بالله من أن يعني بذلك الزنا، هذا معنى قول ابن بكير.

وقيل: إن الآية ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية، وذلك أنه كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها كان ابنه من غيرها، أو قريبه أولى بها من غيرهما، ومنها بنفسها، فإن شاء نكحها وإن شاء منعها من النكاح وهو العضل فحرم الله ذلك على المؤمنين بهذه الآية.

فمعنى الوراثة هو أن يأخذها لنفسه، ويكون بها أولى من ولي نفسها، ومن غيره، ومعنى العضل: أن يأخذها ويمنعها من تزوج غيره، كذلك قال جماعة أهل التفسير، ولكن اختلفوا (فقيل كان ذلك سنة قريش في الجاهلية).

وقيل: كان ذلك سنة الأنصار.

وقيل: كان ذلك سنة الجميع يمنع امرأة قريبه أن تتزوج ويغصبها نفسها إن شاء.

قال الضحاك: كان الرجل إذا مات وترك امرأته أتى حميمه، فألقى ثوبه عليها، فورث نكاحها وكان أحق بها، وكان ذلك عندهم نكاحاً، فإن شاء أمسك حتى تفتدي منه، وقال ابن عباس: كان حميم الميت يلقي ثوبه على امرأته فإن شاء تزوجها بذلك، وإن شاء حبسها حتى تموت، فيرثها فذلك.

قوله: { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً } لأنهم يمنعونها من التزويج حتى تموت، فيرثها بذلك إلا أن تذهب إلى أهلها قبل أن يلقي عليها ثوبه فتكون أحق بنفسها، كذلك حكمهم فيها. وقال زيد بن أسلم: كان الرجل إذا مات في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وكان يعضلها حتى يتزوجها أو يزوجها من أراد. وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة (المرأة) حتى يطلقها، أو يشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي ببعض ما أعطاها، فنهى الله عن ذلك.

وقال مالك: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها كان نكاحها بيد ابن زوجها، يعني من غيرها، فإذا ماتت قبل أن تنكح كان ميراثها له، فكان الرجل يعضل امرأة أبيه عن النكاح حتى تموت فيرثها فنهى الله عن ذلك ونسخه.

السابقالتالي
2