الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }

قوله: { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } الآية.

معنى الآية أن المنافقين يخادعون الله بإحرازهم لإيمانهم دماءهم وأموالهم، { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } هو ما حكم فيهم من منع دمائهم وأموالهم بما ظهر من إيمانهم مع علمه بباطن اعتقادهم استدراجاً للانتقام منهم في الآخرة.

وقال السدي: { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } يعطيهم الله يوم القيامة نوراً يمشون به مع المؤمنين كما كان معهم في الدنيا إيمان يمنع من دمائهم ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه، فيقومون في ظلمتهم ويضرب بينهم بسور.

وقال ابن جريج: إخداع الله لهم هو ما ذكر من قولهمٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [الحديد: 13].

وقال الحسن: يلقى على كل مؤمن ومنافق نور يمشون به حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ومضى المؤمنون بنورهم فينادونهم

{ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } ألم نكن معكم في المسجد والحج والغزو؟

{ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } باعتقادكم خلاف ما أظهرتم { وَتَرَبَّصْتُمْ } عن التوبة { وَٱرْتَبْتُمْ } أي: شككتم في رسول الله صلى الله عليه وسلم وثواب الله عز وجل وعقابه سبحانه.

قال الحسن: فتلك خديعة الله إياهم.

وقيل: المعنى: يُخادعون أولياء الله وهو أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } أي معاقبهم، وسمي الثاني خداعاً لأنه مجازاة للأول، وقيل: لازدواج الكلام.

وقيل: معنى: { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } أي نبيه صلى الله عليه وسلم لأن من خادع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد خادع الله سبحانه كما قالإِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10].

قوله: { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ } الآية.

هذا إعلام من الله تعالى أن المنافقين لا يعملون شيئاً من الفروض إلا رياء، وإبقاء على [أنفسهم، فهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، إذ ليست عندهم بفرض. إنما يقومون للناس] رياء إذ لا يرجون ثواباً، ولا يخافون عقاباً.

ثم يقال: { وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي إلا ذكراً قليلاً.

والمعنى: أنهم يذكرون الله رياء لا ذكر مؤمن موقن بتوحيد الله عز وجل فلذلك سمي قليلاً، إذ هو غير مقصود به الله سبحانه، وما عنده تعالى، فمن أجل هذا وصف بالقلة، مع أنه ليس في ذكر الله عز وجل قليل، إنما قل من أجل اعتقادهم لا من أجل قلة ذكرهم.

قال الحسن: إنما قل لأنه كان لغير الله سبحانه.

وقال علي رضي الله عنه: ما قل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل! يريد قولهإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27] فمن تقبل شيء من عمله، فهو من المتقين، ومن كان من المتقين فهو من أهل الجنة، يقول الله:إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ } [القمر: 54].

قوله: { مُّذَبْذَبِينَ } أي: متحيرين في دينهم مضطربين، وأصل التذبذب التحرك والاضطراب، فهم يتحيرون في دينهم لا مع المؤمنين على بصيرة، ولا مع المشركين على جهالة، فهم حيارى.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة ولا تدري لأيهما تتبع ".

قال قتادة: ليسوا بمؤمنين مخلصين، ولا مشركين مصرحين.

وقيل: إلى المؤمنين ولا [إلى] أهل الكتاب

{ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } أي: ومن يخذله الله { فَلَن تَجِدَ لَهُ } يا محمد { سَبِيلاً } أي: طريقاً يسلكه إلى الحق.