قوله تعالى ذكره: { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } - إلى قوله - { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }. في هذه الآية حذف واختصار لدلالة الكلام عليه على مذاهب العرب. والتقدير: أفمن شرح الله صدره فاهتدى، كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته. ثم بيّن ذلك بقوله: { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } ، أي: عن ذكر الله عز وجل فلا يثبت ذكر الله سبحانه فيها. وقيل: الجواب والخبر: { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }. وقوله: { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } معناه: على بصيرة ويقين من توحيد ربه. ويروى أن قوله: { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } نزلت في حمزة وعليّ رضي الله عنهما. وقوله: { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } نزلت في أبي لهب وولده قال قتادة: { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } ، يعني به: كتاب الله عز وجل، المؤمن به يأخذ وإليه ينتهي. " وروي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالو له: " أَوَ يَنْشَرِحُ القَلْبُ "!؟ قال: نَعَمْ. إذاَ أَدْخَلَ الله فِيهِ النُّورَ انْشَرَحَ وَانْفَسَحَ. قالوا: فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلاَمَةٍ تُعْرَف؟ قال: نَعَمْ، التَّجَافي عَنْ دَارِ الغُروُرِ، وَالإِنَابَةِ إِلَى دَارِ الخُلُودِ وَالاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ قَبْلَ المَوْتِ ". قال المبرد، يقال: (قسا وعتا) إذا صلب، وقلب قاس لا يلين ولا يرق. فالمعنى: فويل للذين جَفَتْ قلوبهم عن قبول ذكر الله عز وجل وهو القرآن فلم يؤمنوا به ولا صدّقوه. قال الطبري: " مِنْ " هنا، بمعنى: " عن " ، أي: عن ذكر الله. فيكون المعنى: غلظت قلوبهم وصلبت عن قبول ذكر الله. وقيل: " من " على بابها. والمعنى: كلما تلي عليهم من ذكر الله قست قلوبهم. ثم بين حالهم فقال: { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، أي: في ضلال عن الحق ظاهر. ومن جعل جواب: { أَفَمَن شَرَحَ } محذوفاً وقف على { نُورٍ مِّن رَّبِّهِ }. ومن جعل الجواب: { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ } لم يقف عليه. ثم قال: { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ } ، أي: يشبه بعضه بعضاً لا اختلاف فيه ولا تضاد، هذا قول قتادة والسدي. وقال ابن جبير: يشبه بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً ويدل بعضه على بعض. وقوله: { مَّثَانِيَ } معناه: ثنى فيه الأخبار والقصص والأحكام والحجج. وقال الحسن وعكرمة: " ثنى الله عز وجل فيه القضاء ". وقال قتادة: ثنى الله فيه ذكر الفرائض والقضاء والحدود. وقال ابن عباس: ثنى الله عز وجل (الأمر فيه) مراراً. وقيل: مثاني: ثنى فيه ذكر العقاب والثواب والقصص.