الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

قوله تعالى ذكره: { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ } - إلى قوله - { لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }.

قال ابن عباس: كان مما ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس لا يعلم في الأرض مثلها. وكانت أحب إليه من كل ما ورث، وكان معجباً بها، فجلس مجلسه وقال: اعرضوا علي خيلي، فعرضت عليه بعد الظهر إلى غيبوبة الشمس وأغفل صلاة العصر: فقال: ما صليت العصر! ردوها علي فطفق يعرقبها ويضرب رقابها وكان الذي عرض عليه تسع مائة، وبقيت مائة لم تعرض عليه. فقال: هذه المائة التي لم تلهني عن صلاتي أحب إلي من التسع مائة.

في الآية حذف دل عليه الكلام، والتقدير: إنه أواب إذ عُرض / عليه بالعشي الصافنات الجياد، فلهى عن الصلاة حتى فاتته فغابت الشمس ولم يصل، وهو قوله { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ }.

{ فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ } ، أي: الخيل. والعرب سمي الخيل: الخير، والمال أيضاً يسمونه الخير.

وفي الحديث: " الْخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَواصِيَها الخَيْرُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " ولما ورد زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أنت زيد الخير. وهو زيد بن مهلهل الشاعر.

وقيل: المعنى، إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربي، وذلك أنه كان في صلاة فجيء إليه بخيل لتعرض عليه قد غُنمت، فأشار بيده أنه يصلي.

{ حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } ، أي: توارت الخيل، فسترها جدر الإصطبلات، فلما فرغ من صلاته قال:

{ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ } ، أي: يمسحها مسحاً. فالضمير في " توارت " على هذا القول للخيل.

وأكثر الناس على أنه للشمس وإن (لم يجر) لها ذكر، ولكن لما قال بالعشي دل على أن بعده غياب الشمس.

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي فاتته هي صلاة العصر وهو قول قتادة والسدي.

وقيل: المعنى: إنى آثرت حب الخير عن ذكر ربي، أي: على ذكر ربي، ومنه قوله:فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [فصلت: 17]، أي: آثروا الضبه على الهدى.

وقيل: معنى أحببت: قعدت وتأخرت.

يقال أحب الجمل وأحببت الناقة، إذا بركت وتأخرت.

فالمعنى: إني قعدت عن ذكر ربي لحب الخير { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ }.

إنى قعدت عن صلاة العصر حتى غابت الشمس.

فيكون حب الخير مفعولاً به على قول من جعل أحببت بمعنى آثرت. ويكون مفعولاً من أجله على قول من جعل أحببت بمعنى تأخرت وقعدت. ولا يحسن أن ينصب على المصدر لأن المعنى على غير ذلك.

ثم قال: { رُدُّوهَا عَلَيَّ } ، أي: ردوا الخيل عليَّ التي شغلتني على الصلاة.

{ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } ، أي: طفق يضرب أعناقها وسوقها.

قال الحسن: قال سليمان: لا، والله لا تشغلني عن عبادة ربي فكشف عراقيبها وضرب أعناقها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6