قوله تعالى ذكره: { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ } - إلى قوله - { قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ }. أي: وانطلق الأشراف من مشركي قريش القائلين: { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } ، يقولون للعوام: أمشوا واصبروا على عبادة آلهتكم، أي: اصبروا على دين آبائكم. وكان لهم يومئذ ثلاث مائة صنم وستون صنماً / يعبدونها من دون الله سبحانه وروي أن قائل ذلك كان عقبة بن أبي معيط. وقوله: { أَنِ ٱمْشُواْ } ، معناه: تناسلوا، كأنه دعا لهم بالنماء وهو من قول العرب: مَشَى الرجل وأُمْشَى إذا كثرت ماشيته، وأمشت المرأة: كَثُرَ وَلَدُها. قال الشاعر:
........................
* والشَّاةُ لا تُمْشَى على الهمَلَّعِ
أي: لا تُنْهى عن الذنب. (والهملع: الذئب). ثم قال عنهم إنهم قالو: { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } ، أي: لشيء يريد بنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يطلب علينا الاستعلاء به، وأن يكون له فينا اتباع. ثم قالو: { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ }. قال ابن عباس: يعنون النصرانية دين عيسى. أي: لم نسمع في دين عيسى صلى الله عليه وسلم أن محمداً يبعث رسولاً إلينا ولا يأتينا بكتاب. { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } ، أي: ما هذا إلا كذب. وعن ابن عباس أن المعنى: لو كان هذا القرآن حقاً لأخبرنا به النصارى. وقال مجاهد: معناه ملة قريش. وقال قتادة: معناه في زماننا وديننا. قال أبو اسحاق: { فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ }: في النصرانية ولا في اليهودية ولا فيما أدركنا عليه آباءنا. ثم قال: { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } ، أي: ما هذا الذي أتانا به محمد صلى الله عليه وسلم إلاّ كذب اختلقه وتخرصه وابتدعه حسداً منهم لمحمد صلى الله عليه وسلم. ودل على أنه حسد منهم قوله عنهم: { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } ، أي: كيف خُصَّ محمد بنزول القرآن عليه من بيننا. وهذا كقولهم:{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] أي: من إحدى القريتين، يعنون: مكة والطائف، يعنون: الوليد بن المغيرة المخزومي من أهل مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف. والمعنى: على أحد رجلين من إحدى القريتين. ثم قال تعالى: { بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي } ، أي: في شك من القرآن. { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } ، أي: لم يذوقوا العذاب، ولو ذاقوه لأيقنوا حقيقة ما هم فيه وعلموا أن الذين كذَّبوا به حق. ثم قال: { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } ، أي: أم عند هؤلاء المكذبين مفاتح ربك وعطاياه، فَيَخُصُّوا من شاءوا بالرسالة. العزيز في سلطانه، الوهاب لمن يشاء من خلقه ما يشاء من رسالته وكرامته. ثم قال جل ذكره: { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } ، أي: إن كان لهم مُلْكُ ذلك فليصعدوا في أبواب السماء أو طرفيها، لأن من كان له ملك ذلك لم يتعذر عليه الصعود فيه، هذا معنى قول مجاهد وقتادة وابن زيد وقال الضحاك: فليرتقوا إلى السماء السابعة.