الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } * { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } * { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } * { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } * { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } * { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } * { قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } * { وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }

قوله (تعالى ذكره): { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } إلى قوله { قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } قد تقدم ذكر السَّدِّ والسُّدِّ في الكهف، والمعنى: جعلنا من بين أيدي هؤلاء الكفار حاجزاً ومن خلفهم حاجزاً.

{ فَأغْشَيْنَاهُمْ } أي: جعلنا على أعينهم غشاوة.

وروي عن ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر: " فَأَعْشَيْنَاهُمْ " ، بالعين غير معجمة من عَشَى العين.

قال الطبري في " سُدّاً ": من فتح كان من فعل بني آدم، وإذا كان من فعل الله كان بالضم.

وقيل: معناه أنهم زين لهم سوء أعمالهم فهم يعمهون فلا يبصرون شيئاً.

قال مجاهد: سداً عن الحق فهم يترددون.

وقال ابن زيد: جعل هذا السد بينهم وبين الإسلام والإيمان فهم لا يخلصون إليه. وقرأ: { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } ، وقرأ:إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [يونس: 96]، وقرأ شبه ذلك.

وقيل: هو تمثيل، والمعنى: أنه تعالى منعهم من الهدى بالضلال فلم ينتفعوا بالإنذار.

قال ابن إسحاق: جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل وأمية بن خلف يرتصدون النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغوا من أذاه، فخرج عليهم فقرأ أول { يسۤ } وفي يده تراب فرماهم به، وقرأ: { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } إلى رأس العشر، فأطرقوا حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عباس: أقسم أبو جهل لئن رأيت محمداً يصلي لأدمغنه، فأخذ حجراً والنبي عليه السلام يصلي ليرميه به، فلما أومأ به إليه رجعت يده إلى عنقه والتصق الحجر بيده، فهو قوله:إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً } [يس: 8].

قال عكرمة: كانوا يقولون: هذا محمد، فيقول أبو جهل: أين هو؟ أين هو؟ لا يبصره.

ثم قال: { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } أي: الإنذار وتركه على هؤلاء الذين حق عليهم القول سواء، فهم لا يؤمنون لما سبق لهم في أم الكتاب، وهو قوله:وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [الأعراف: 179].

قال ابن عباس: ما آمن منهم أحد، يريد من القوم الذين تقدم ذكرهم.

ثم قال: { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } أي: من آمن بالقرآن.

{ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } أي: وخاف الله حين يغيب عن أبصار الناس لأن المنافق يستخف بدين الله إذا خلا.

ويجوز أن يكون المعنى: وخاف الله من أجل ما أتاه من الأخبار التي غابت عنه فلم يعاينها، ولكنه صدقها فخاف من عواقبها، فهو مثل قوله:ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } [البقرة: 3].

ثم قال: { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } أي: بستر من الله لذنوبه إذا اتبع الذكر وخاف الله.

{ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } أي: وثواب في الآخرة حسن، وذلك الجنة.

ثم قال: (تعالى ذكره: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ } يعني في الآخرة للنشور.

السابقالتالي
2 3