قوله تعالى ذكره: { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً } إلى قوله: { ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ }. أي: أرسلناك يا محمد بالدين الحق بشيراً بالجنة لمن أطاعك فآمن، ونذيراً تنذر بالنار من عصاك فكفر بك. ثم قال تعالى: { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } أي: وما من أمة كانت قبلك يا محمد إلاّ وقد جاءها نذير ينذرها عذاب الله على الكفر. قال قتادة كل أمة كان لها رسول. ثم قال تعالى: { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي: إن يكذبك يا محمد مشركوا قومك فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم رسلهم، جاءتهم الرسل بالبينات، أي بحجج الله الواضحة { وَبِٱلزُّبُرِ } أي: بالكتاب من عند الله. { وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } أي: منير لمن تبينه وتدبره. ثم قال: { ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } اي: أهلكتهم بكفرهم. { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي انظر يا محمد كيف كان تغييري بهم وإنكاري لكفرهم، وحلول عقوبتي بهم. ثم قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } أي: منها الأحمر والأسود والأصفر. ثم قال: { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ } أي: طرائق، وهي الجدد جمع جُدّة، وهي الطريقة في الجبل. قال الأخفش: ليس جُدَد يجمع على جديد لأنه يلزم أن تقول فيه جُددٌ بالضم، قال: والجُدَدُ جمع جُدَّة. والجُدَدُ الخطوط تكون في الجبال بيض وسود وحمر. فلذلك قال: { مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } أي: ألوان الجدد. ثم قال /: { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } أي: وسود غرابيب، فهو مؤخر يراد به التقدم. والعرب تقول: هو أسود غربيب إذا وصفوه بشدة السواد. ثم قال: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } أي: خلق مختلف ألوانه. { كَذَلِكَ } أي: مثل الجدد، أي كما اختلفت ألوان الطرائق في الجبال، كذلك تختلف ألوان الناس والأنعام وغيرهم، قدرة من الله تعالى ينبه خلقه عليها. ومن أجل حذف الموصول قال: " ألوانه " ، أي: خلق مختلف ألوانه، ولم يقل ألوانهم ولا ألوانها. ثم قال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } أي: إنما يخاف الله ويتقي عقابه العلماء بقدرته على ما يشاء وأنه يفعل ما يريد، لأنّ من علم ذلك أيقن بالمعاقبة على المعصية فخاف الله واتقاها. قال ابن عباس: هم الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير. وقال قتادة: كفى بالرهبة علماً. قال مجاهد: إنما العالم من خشي الله. وقال ابن مسعود: كفى بخشية الله علماً والاغترار به جهلاً. قال ابن منصور بن زاذان: نُبِّئتُ أن بعض من يُلقَى في النّار يتأذى الناس بريحه، فيقال: ويلك ما كنت تعمل؟ أما يكفي ما نحن فيه من الشر حتى ابتلينا بك وبنتن ريحك؟ فيقول: كنت عالماً فلم أنتفع بعلمي.