الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } * { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } * { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ }

قوله تعالى ذكره: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً } إلى قوله: { مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ }.

أي: ولقد أعطينا داود منا فضلاً، وقلنا للجبال { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } أي: سبحي معه إذا سبح، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد.

والتأويب في كلام العرب: الرجوع، ومبيت الرجل في منزله وأهله، وأصله من سرعة رجع أيدي الإبل وأرجلها في السير الحثيث، وهو التأويب.

وَقُرِئَتْ " أوبِي " بالتخفيف. من آب يؤوب، بمعنى تصرفي معه.

ثم قال: { وَٱلطَّيْرَ } فمن نصب فعلى معنى: سخرنا له الطير، هذا قول أبي عمرو.

وقال الكسائي: هو معطوف على " داوود " أي: وآتيناه الطير.

ونصبه عند سيبويه على موضع يا جبال.

ويجوز أن يكون مفعولاً معه، فيكون المعنى: يا جبال أوبي معه ومع الطير.

وقد قرئ بالرفع / على العطف على لفظ الجبال أو على المضمر في " أوبي " وحسن ذلك لما فرقت بـ معه.

وقوله: { أَنِ ٱعْمَلْ } أن لا موضع لها بمعنى أي، ويجوز أن تكون في موضع نصب على معنى: لأن اعمل.

وقيل: التقدير: وعهدنا إليه بأن أعمل، وقاله الطبري.

ثم قال: { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ }.

قال قتادة: سخر الله له الحديد بغير نار، فكان يسويه بيده ولا يدخله ناراً ولا يضربه بحديد.

وروي أنه كان في يده بمنزلة الطين. وهو أول من سخر له الحديد.

وقيل: أعطاه الله قوة يثني بها الحديد.

قال الحسن: كان داود يأخذ الحديد فيكون في يده بمنزلة العجين.

وقوله: { أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ } أي: دروعاً كوامل توام.

قال قتادة: كان داود أول من صنع الدروع، وكانت قبل ذلك صفائح.

ثم قال تعالى: { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ }.

قال قتادة: كان يجعلها بغير نار ولا حديد، والسرد: المسامير.

وقال ابن عباس: السرد حَلَق الحديد.

وقاله ابن منبه.

والسرد في اللغة كل ما عمل متسقاً متتابعاً يقرب بعضه من بعض ومنه سرد الكلام. ومنه قيل للذي يعمل الدروع زَرَّادٌ وِسِرَّاد.

قال وهب بن منبه: كان داود يخرج متنكراً يسأل عن سيرته في الناس فيسمع حسن الثناء عليه، فيزداد تواضعاً لله، وعلى الخير حرصاً، قال: فخرج ذات يوم وبعث الله ملكاً إليه في صورة آدمي، فقال له داود: كيف ترى سيرة هذا العبد داود - صلى الله عليه وسلم -، وهو يظن أنه آدمي، فقال له الملك: نِعْمَ العبد داود، ما أنصحه لربه وأقربه من المساكين، لولا خصلة في داود ما كان لله عبد مثل داود، قال له داود: وما تلك الخصلة؟ قال: إنه يأكل من بيت المال وما من عبد أقرب إلى الله جل ذكره من عبد يأكل من كد يمينه، فانصرف داود ودخل محرابه وابتهل إلى ربه وسأله أن يرزقه عملاً بيده يغنيه عن بيت المال، فعلمه الله صنعة الدروع، فكان أول من عمل الدروع وألان الله له الحديد فكان في يده بمنزلة العجين.

السابقالتالي
2 3 4