الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ }

قوله تعالى ذكره: { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } إلى قوله: { بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ }.

أي: أخذنا من النبيئين ميثاقهم ليسأل الله المؤمنين منهم عما أجابتهم به أمهاتهم.

ومعنى سؤال الله جل ذكره عن ذلك الرسل، وهو عالم به، أنه على التبكيت والتوبيخ للذين كفروا كقوله لعيسى:أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ } [المائدة: 116] الآية.

ثم قال: { وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً } أي: أعد للمكذبين الرسل عذاباً مؤلماً، أي موجعاً.

ثم قال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي: اذكروا تفضل الله عليكم فاشكروه على ما فعل بكم.

{ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ } يعني جنود الأحزاب من قريش وغطفان. ويهود بني قريظة وغيرهم.

{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } كانت الريح التي نُصِِرَ بها النبي صلى الله عليه وسلم: الصبا.

قال عكرمة: قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب: انطلقي تنصري رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت الشمال: إن الحرة لا تسري بالليل. قال: فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا.

قال أبو سعيد الخدري: " قُلْنَا يَوْمَ الخَنْدَقِ يَا رَسُولَ اللهِ بَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ نَقُولُهُ، قَال: قُولُوا اللهُمَّ اسْتُر عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا. قَال: فَضَرَبَ اللهُ وُجُوهَ أَعْدَائِهِ بِالرّيحِ، وَهَزَمَهُمُ اللهُ بِالرّيح ".

قال ابن عمر: كانت معي يوم الخندق تُرْسٌ وكان فيها حديد فضربتها الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد.

قال مجاهد: أُرْسِلَتْ على الأحزاب يوم الخندق ريح حتى كفأت قدورهم على أفواهها ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم.

قال قتادة: { وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } يعني: الملائكة، قال: نزلت هذه الآية يوم الأحزاب وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً، فخندق رسول الله حوله وحول أصحابه خارج المدينة، وأقبل أبو سفيان بقريش ومن تبعه من الناس حتى نزلوا بِعُصْرَةِ رسول الله.

[وأقبل عيينة بن حصن أحد بني بدر ومن تبعه من الناس حتى نزل بعصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم]. وكاتبت اليهود أبا سفيان وظاهروه بذلك، حيث يقول تعالى ذكره: { إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } فبعث الله عليهم الرعب والريح فذكر لنا أنهم كل ما بنوا بناء قطع الله أطنابه، وكلما ربطوا دابة قطع الله رباطها، وكلما أوقدوا ناراً. أطفأها الله حتى لقد ذُكِرَ لنا أن سيد كل حي يقول: يا بني فلان هَلُّم إِلَيَّ، حتى إذا اجتمعوا عنده قال: النَّجَاءُ أتيتم، لِمَا بعث الله عليهم من الرعب.

قال ابن إسحاق: كانت الجنود قريشاً وغطفان وبني قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح: الملائكة، وكانت الريح مع قوتها شديدة البرد، وكان في ذلك أعظم آية النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان سبب الأحزاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلى بني النضير إلى خيبر، وكانوا قد سادوا العرب وعرفوا بكثرة المال، وهم من بني هارون النبي عليه السلام، فلما انتقلوا إلى خيبر، وحول خيبر من العرب أسد وغطفان حزبت اليهود على النبي العَرَبُ من أسد وغطفان وغيرهم.

السابقالتالي
2 3 4 5