الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ }

قوله تعالى [ذكره]: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } إلى آخر السورة.

أَلَم يرَ هؤلاء المكذبون بالبعث [بعد الموت] أنا بقدرتنا نسوق الماء إلى الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها /.

وأصل الجِّرزِ من قولهم: رجل جَرُوزٌ، إذا كان لا يُبقي شيئاً إلا أكله.

وحكى الفراء وغيره فيه أربع لغات: أرض جُرْزٌ، وَجُرْزٌ وَجَرَزٌ وَجَرْزٌ، وكذلك حكوا في البُخل والرُّعب والرُّهب، هذه الأربع على أربع لغات، قال ابن عباس: هي أرض باليمن. يروى أنه ليس فيها أنهار وأنها بعيدة من البحر يأتها كل عام واديان عظيمان بسيل عظيم من حيث لا يعلمون فيزرعون عليه ثلاث مرات في السنة.

وقال مجاهد: هي أَبْين.

وقال عكرمة: هي الظَّمأى.

وقال ابن عباس: الجرز: التي لا تمطر إلا مطراً لا يغني عنها شيئاً.

وقال الضحاك: هي الميتة العطشى.

وقال أهل اللغة: هي التي لا نبات فيها.

ثم قال [تعالى] { فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً } أي: بالماء.

{ تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ } أي: ترعاه مواشيهم، ويأكلون منه هم.

وقوله: { وَأَنفُسُهُمْ } أي: وهم يأكلون منه. والنفس يراد بها جملة الشيء وحقيقته، ومنه قوله تعالىتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } [المائدة: 116]، أي: تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم. وتكون النفس الجزء من الإنسان كقولك [خرجت] نفسه.

ثم قال: { أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } أي: أفلا يرون ذلك بأعينهم فيعلمون أن من قدر على ذلك هو قادر على إحيائهم بعد موتهم.

ثم قال [تعالى]: { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.

أي: يقول لك يا محمد هؤلاء المشركون: متى يجيئ هذا الحكم بيننا وبينك، أي: متى يكون هذا الثواب والعقاب.

قال قتادة: قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن لنا يوماً يوشك أن نستريح فيه ونتنعم، فقال المشركون: { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.

وقال القتبي: يعني بذلك فتح مكة.

وقال مجاهد وغيره: هو يوم القيامة.

وقوله تعالى [ذكره]: { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ } يدل على أنه يوم القيامة لأنه قد نفع من آمن من الكفار إيمانهم يوم فتح مكة.

وروي أن المؤمنين قالوا: سيحكم الله بيننا يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، فقال الكفار على التهزي: متى هذا الفتح؟، أي: هذا الحكم.

يقال للحاكم فاتح وفتاح لأن الأحكام تنفتح على يديه. وفي القرآن:رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } [الأعراف: 89] أي احكم.

ثم قال تعالى: { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ } أي: قل لهم يا محمد: يوم الفتح لا ينفع من كفر بالله وآياته إيمانه في ذلك الوقت، وذلك يوم القيامة.

قال ابن زيد " يوم الفتح " ، أي: إذا جاء العذاب.

وقوله: { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } أي: يؤخرون للتوبة / والرجوع إلى الدنيا.

ثم قال تعالى: { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي: عن هؤلاء المشركين.

وهذا منسوخ نسخة آية السيف قوله جل ذكرهفَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5] الآية، قاله ابن عباس وغيره.

ثم قال: { وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } أي: انتظر ما الله صانع بهم. إنهم منتظرون ما تعدهم من العذاب ومجيئ الساعة.