قوله تعالى ذكره: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } إلى آخر السورة. هذه الآية احتجاج على من أنكر البعث، فتقرر عندهم أنه تعالى خلقهم من ضعف وهو النطفة، فجعلهم بشراً قوياً، ثم رد القوي إلى الضعف وهو الهرم والشيب، فمن فعل هذا يقدر على إحيائكم بعد موتكم. والضعف بالفتح: المصدر، والضعف بالضم الاسم. وروى عطية عن ابن عمر أنه قال: " " قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي خَلَقَكُم مِنْ ضَعْفٍ " فقال لي: " مِنْ ضُعْفِ " ". وقرأ عيسى بن عمر " مِنْ ضُعُف " بضمتين /. وأجاز الكوفيون ضَعَفٍ بفتح الضاد والعين لأجل حرف الحلق. ثم قال: { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ }. أي: يخترع ويحدث ما يشاء. { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ } أي: بخلقه، { ٱلْقَدِيرُ } أي: القادر عليهم. ثم قال تعالى: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي: ويوم تجيئ ساعة البعث فيبعث الله الخلق، يحلف الكفار ما لبثوا في قبورهم غير ساعة واحدة. قال قتادة: لما عاينوا الآخرة هان عندهم ما لبثوا. { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } أي: كما كذبوا في قولهم في الآخرة ما لبثنا في قبورنا غير ساعة، كذلك كانوا في الدنيا يكذبون، أي: يصرفون الصدق إلى الكذب. وقيل معنى ذلك: أن الكفار لا بد لهم من خمدة بين النفختين فلم يدروا مقدار ذلك فقالوا: ما لبثنا غير ساعة. وقيل معناه: ما لبثنا في الدنيا غير ساعة، هان عليهم مكثهم في الدنيا لانقطاعه وزواله، فادعوا أنهم ما لبثوا فيها غير ساعة. ثم قال تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ }. هذا رد من المؤمنين على الكفار يوم القيامة دعواهم أنهم ما لبثوا غير ساعة، تقديره عند قتادة: وقال الذين أوتوا العلم والإيمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث. وقال ابن جريج: تقديره: وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان بالله وبكتابه لقد لبثتم إلى يوم البعث. وقيل: المعنى على غير تقدير ولا تأخير، والتقدير: وقال الذين أعطاهم الله العلم به والإيمان لقد لبثتم في اللوح المحفوظ إلى يوم البعث، فهذا يوم البعث، أي: يوم يبعث الناس من قبورهم، ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا أنه يكون وأنكم تبعثون بعد الموت، ولذلك كذبتم به. وقيل: التقدير: لقد لبثتم في حكم الله وتقديره إلى يوم البعث. ثم قال تعالى: { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ }. أي: لا ينتفعون بعذر يعتذرون به من كفرهم وجحودهم ونفيهم للبعث. { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي: لا يقيمون في أنفسهم ولا يسترجعون. روي أنه لما رد المؤمنون عليهم سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذروا ولا استعتبوا.