قوله تعالى ذكره: { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ } إلى قوله { أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ }. أي: وإذا مس هؤلاء المشركين وغيرهم ضر من مرض أو جدب ونحوه { دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } أي: أخلصوا له الدعاء والتضرع، { ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً } ، أي: فرج عنهم الضر { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } يعني المشركين. ثم قال تعالى: { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ }. إن جعلت اللام لام كي لم تقف على " يشركون " ، ولكن تقف على { آتَيْنَاهُمْ } ، وإن جعلتها لام أمر لأن الكلام فيه معنى التهديد ابتدأت بها إن شئت، ووقفت على { يُشْرِكُونَ } ، ولم تقف على { آتَيْنَاهُمْ }. وقوله: { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } يدل على أنها لام أمر لأن هذا وعيد وتهديد لا شك فيه، فحمل الكلام على معنى واحد أحسن. والمعنى على الأمر: اكفروا وتمتعوا بالصحة والرخاء فسوف تعلمون عاقبتكم إذا أوردتم على ربكم. ثم قال تعالى: { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً } أي: كتاباً وحجة في عبادتهم الأوثان. { فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } أي: فذلك الكتاب ينطق بصحة شركهم. فالمعنى: لم ننزل عليهم شيئاً من ذلك إنما اختلفوا من عند أنفسهم اتباعاً لأهوائهم. قال ابن عباس: كل سلطان في القرآن فهو عذر وحجة /. ثم قال تعالى: { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا } أي: وإذا مس الناس خصب ورخاء وصحة فرحوا بذلك. { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي: وإن تصبهم شدة جدب أو مرض أو إتلاف مال بذنوبهم المتقدمة { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } أي: يئسون من الفرح، والقنوط: اليأس. ثم قال تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ } أي: ألم ير هؤلاء الذين ييأسوا عند الشدة ويفرحون عند الرخاء أن الله يوسع على من يشاء في رزقه، { وَيَقْدِرُ } أي: ويضيق على من يشاء في رزقه. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي: إن في توسيعه الرزق على بعض خلقه وتضييقه على بعض، لدلالات وحججاً على قدرة الله لمن آمن بالله. ثم قال تعالى: { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } قال مجاهد وقتادة: هو قريب الرجل، صلة الرحم له فرض من الله جل ذكره. وقال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة. وقال قتادة: إذا لم تعط ذا قرابتك وتمش إليه برجليك فقد قطعته. وقيل: القربى هنا قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. مُنَزَّلة مَنْزِلة قوله تعالى ذكره:{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } [الأنفال: 41] فيكون المعنى: فأعط يا محمد ذا القربى منك حقه عليك. وقوله: { وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } أي: وَفِّيهم حقهم إن كان يُسْر، وإن لم يكن عندك شيء فقل لهم قولاً معروفاً. وابن السبيل: الضيف.