الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } الآية. قال ابن عباس: كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتد، وهو الحارث بن سويد فأرسل إلى قومه أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة؟ فأنزل الله عز وجل { كَيْفَ يَهْدِي [ٱللَّهُ] قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } ثم أنزل الله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فأرسل إليه قومه وأسلم.

وقال مجاهد: نزلت الآيتان بعد ارتداد الحارث بن سويد فحملهما إليه رجل فقرأ عليه الآية الأولى ثم قرأ عليه الآية { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } الآية فقال الحارث: إنك - والله ما علمت - لصدوق، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق منك. وإن الله سبحانه لأصدق الثلاثة ثم رجع فأسلم وحسن إسلامه.

قال السدي: نزلت في الحارث بن سويد حين ارتد ثم نسخها الله بقوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ }.

وروي أنه كان يظهر الإسلام فلما كان يوم أحد قتل المجذر بن زياد بدم كان له عليه، وقتل قيس بن زيد، وارتد ولحق بمشرك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر أن يقتله إن ظفر به، ففاته، ثم بعث إلى أخيه من مكة يطلب التوبة، فأنزل الله عز وجل { كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ } الآيتين.

وقال كثير من المفسرين: إنما نزلت في اليهود لأنهم وجدوا في التوراة إن الله جل ذكره ناجى موسى عليه السلام وكان في مناجاته " يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني، ورحمتكم قبل أن تسترحموني، فقال موسى عليه السلام: جعلت وفادتي لغيري " ، وذلك قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم:وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } [القصص: 46] " أي: إذ ناجينا موسى بهذا أن: يا أمة محمد قد أجبتكم قبل أن تدعوني إلى آخر القصة.

وقيل: نزلت في قوم ارتدوا.

وقيل: نزلت في أهل الكتاب لأنهم عرفوا محمداً صلى الله عليه وسلم وصفته، ثم كفروا به عن علم بصحة نبوته.

وقال القرظي: [كان] ناس من أهل مكة أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا، فمكثوا ما شاء الله في المدينة، ثم خرجوا وارتدوا ولحقوا بالمشركين فأنزل الله ذلك فيهم ثم تعطف عليهم فأنزل الله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ } الآية.

قوله: { وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ }: معطوف على الفعل الذي تضمنه المصدر وهو إيمانهم، تقديره بعد أن آمنوا وشهدوا ولا يجوز عطفه على { كَفَرُواْ } لفساد المعنى. وقال الحسن: هم اليهود والنصارى عرفوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم وشهدوا أنه حق قبل مبعثه فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك وكذبوه وأنكروا حسداً وبغياً، وقلوبهم تشهد أنهم مبطلون في ذلك.