الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }

قوله: { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ } الآية.

المعنى سميع عليم إذ قالت.

وقيل: واذكر إذ قالت.

وقال أبو عبيدة: { إِذْ } زائدة، وأنكر ذلك جماعة النحويين.

وقال الزجاج: المعنى: اصطفى آل عمران إذ قالت.

واسم امرأة عمران حنة، وزكريا هو ابن آذر، وعمران هو ابن ماتان وكلاهما من ولد داود النبي من سبط يهود بن يعقوب صلى الله عليهم وسلم أجمعين.

وذلك أن زكريا وعمران تزوجا اختين، فكانت أم مريم عند عمران، وأم يحيى عند زكريا، فهلك عمران، وأم مريم حامل بها وكانت في حياة عمران قد أمسك عنها الولد حتى يبست، وكانوا أهل بيت [لهم] عند الله مكان، فبينا هي ذات يوم في ظل شجرة نظرت إلى طائر يطعم فرخاً، فتحركت له نفسها للولد، فدعت الله أن يهب لها ولداً، فحملت ثم مات عمران، فلما علمت أن في بطنها جنيناً حسبته ذكراً فنذرته ليكون حبيساً لخدمة الكنيسة، وقيل: خدمة بيت المقدس.

قال الكلبي: لما وضعتها لفتها في خرقتها ثم أرسلت بها إلى بيت المقدس، فوضعتها فيه، فتنافست الأحبار بنو هارون.

فقال زكرياء: أنا أحقكم بها عندي خالتها، فذروها لي.

فقالت الأحبار: لو تركت لأفقر الناس إليها لتركت لأمها، ولكنا نقترع عليها، فاقترعوا عليها بأقلامهم [التي]. يكتبون بها الوحي، فقرعهم زكريا عليه السلام، واسترضع لها حتى إذا شبت بنى لها محراباً في المسجد على الباب فلا يرقى إليها إلا بِسلم.

ومعنى { مُحَرَّراً } عتيقاً لعبادتك لا ينتفع به لشيء من أمور الدنيا.

وقال مجاهد " محرراً خادماً للكنيسة.

ونصب { مُحَرَّراً } على أنه نعت لمفعول محذوف أي: غلاماً محرراً.

وكانوا إنما يحررون الغلمان، فظنت أنها تلد غلاماً فلما وضعت أنثى قالت: { رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } تريد أنه إنما يحرر الغلمان للخدمة.

وقيل المعنى إن الأنثى تحيض فلا تصلح لخدمة بيتك.

ثم دعت لها فقالت: { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } فاستجاب الله لها وأعاذها وذريتها منه. وأصل المعاذ: الملجأ والمفعل، والهاء في " وضعتها لما على المعنى.

وقيل: لمريم ولم يجر لها ذكر ولكن المعنى مفهوم فحسن. ومن قرأ { وَضَعَتْ } بإسكان التاء ففي الكلام تقديم وتأخير تقديره: { قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } فهذا من كلامها، ثم قال تعالى إخباراً منه { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ }.

ومن قرأ بضم التاء فليس فيه تقديم ولا تأخير وهذا كله من كلام أم مريم.

وقرأ ابن عباس: " وضعتِ " بكسر التاء ومعْناه إنه خطاب من الله لها.

قال ابن عباس: ما ولد مولود إلا قد استهل سوى عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فإنه لم يسلط عليه الشيطان لأن الله أجاب دعاء أم مريم في قولها: { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ } الآية.

السابقالتالي
2 3 4