الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ }

قوله: { (وَلاَ تَكُونُواْ) كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ } حذر الله المؤمنين أن يكونوا مثل اليهود الذين اختلفوا في كتابهم وتفرقوا فرقاً.

أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالاختلاف والمراء والخصومات في دين الله.

وقال الحسن: هم اليهود والنصارى اختلفوا في دينهم فنهانا الله عن مثل ذلك.

ثم أخبر أن هؤلاء المختلفين لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه أي: عذاب عظيم في هذا: اليوم الذي تبيض فيه وجوه وتسود فيه وجوه.

ويجوز في غير القرآن كسر التاء في { تَبْيَضُّ } و { تَسْوَدُّ }.

ومعنى تبيض: تشرق كما قال:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } [عبس: 38-39] فهي تشرق لما تصير إليه من [النعيم، وتسود وجوه من أجل ما تصير إليه] من العذاب.

قوله { أَكْفَرْتُمْ } معناه: فيقال لهم أكفرتم؟ قال جماعة من العلماء: عنى بهذا بعض أهل القبلة من المسلمين وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده ليردن على الحوض ممن صحبني أقوام حتى إذا رفعوا إلي ورأيتهم اختلجوا دوني فأقول: يا رب، أصحابي أصحابي. فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ".

قال أبو أمامة { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ }: (هم) الخوارج.

وعن أبي بن كعب أنه قال صاروا يوم القيامة فريقين: يقال لمن اسود وجهه: أكفرتم بعد إيمانكم وذلك الإيمان هو الذي كان قبل الاختلاف حين أخرجهم من ظهور آدم وأخذ منهم عهدهم وميثاقهم، فقال الله:أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] فأقروا كلهم بالعبودية، وفطرهم على الإسلام، ثم لما خرجوا إلى الدنيا كفروا، فيقال لهم يوم القيامة: { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } فالآية عنده للكفار خاصة. قال: والآخرون فقاموا على إيمانهم المتقدم فهم في رحمة الله خلوداً.

وقال الحسن: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ } هم المنافقون أظهروا الإيمان وأسروا الكفر. واختار الطبري قول أبي بن كعب أن يكون للكفار، ويكون الإيمان هو الذي أخذه الله عليهم حين أخرجهم من ظهور آدم كالذر فأقروا بأنه ربهم ثم كفروا بعد ذلك.

وذكر النحاس في قوله: { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } قال: عنى بها اليهود بشروا بالنبي صلى الله عليه وسلم واستفتحوا به قبل بعثه فكان ذلك منهم إيماناً، فلما بعث كفروا به هذا معنى قوله.

قوله: { فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ } أي: في ثواب رحمة الله وهي الجنة وتأولها مالك في أهل الأهواء.

وروى أبو أمامة: أنها في الحرورية، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة، ولا اثنتين، ولا ثلاثاً، ولا أربعاً، حتى بلغ سبعاً.

وروى عبد الملك بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله تبارك وتعالى: أين خصماء الله؟ فتقوم القدرية مسودة وجوههم زرقاً عيونهم قد دلعوا ألسنتهم يسيل لعابهم على صدورهم يقذرهم كل من في القيامة فيقولون: ما لنا؟ ما عبدنا شمساً، ولا قمراً، ولا وثناً، فيأتيهم النداء من عند الله صدقتم ما عبدتم شمساً ولا قمراً

ولا وثناً ولكن جاءكم الكفر من حيث لا تحتسبون ".

قوله { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } أي: هذه آيات الله تتلى عليكم يا محمد بالحق... وليس يريد الله أن يظلم أحداً من خلقه.