قوله تعالى ذكره: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } إلى آخر السورة أي: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قريش، من ابتدع السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر لعباده يجريان دائبين لمصالح الخلق؟ ليقولن الله. { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي: فمن أين يصرفون عن عبادة من فعل ذلك بإقرارهم، فيعبدون معه من لم يخلق شيئاً ولا يملك ضراً ولا نفعاً. ثم قال تعالى: { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } أي: يوسع على من يشاء من عباده في الرزق، ويضيق على من يشاء منهم فلا تتخلفوا عن هجرة وجهاد عدوكم بخوفكم العيلة والفقر. { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي: عليم بمصالحكم فيوسع على من لا يصلحه إلا التوسع في الرزق، ويضيق على من لا يصلحه إلا الضيق في الرزق. ثم قال تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا }. أي: ولئن: سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قريش عَنْ مَنْ نزّل من السماء مطراً فأحيا بذلك المطر الأرض بعد جدوبها وقحطها { لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } ، فقل يا محمد: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } ، أي: على نعمه. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } أي: لا يعقلون ما لهم فيه النفع من أمر دينهم وما لهم فيه الضرر. ثم قال تعالى: { وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } أي: ما يتمتع به هؤلاء المشركون في الدنيا إلا تعليل النفوس بما تلتذ به، ثم ينقضي ويضمحل عن قليل، فهو اللهو واللعب الزائل من ساعته. ثم قال تعالى: { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ } أي: لفيها الحياة الدائمة والنعيم المقيم الذي لا أنقطاع له. والحياة والحيوان واحد، يقال نهر الحيوان ونهر الحياة، وأصل الحيوان: الحييان ثم أبدلوا من إحدى الياءين واواً ومثله حيوة أصله حيية. ثم أبدل. ويقال حييت حياً كعييت عياً. فالحي المصدر، والحيوان والحياة اسمان. قال العجاج /: " وقد نَرَى إذِ الحياةُ حييّ ". يريد: إذِ الحياة حياة ". وقد قيل: إن الحيي جمع على فِعُول كعِصي. ثم قال تعالى: { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } أي: فإذا ركب هؤلاء المشركون في السفينة في البحر فخافوا الغرق والهلاك أخلصوا لله الدعاء، وتركوا آلهتهم التي يعبدون. { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } أي: يعبدون مع الله غيره. ثم قال تعالى: { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ }. أي: لما نجاهم الله من الغرق إلى البَرِّ عبدوا غيره ليجحدوا نعمه عليهم. فاللام لام كي لأنها شرط لقوله { إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }. ثم قال: { وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ }. هذه اللام لام الأمر، فمن كسر لم يعتد بالواو وجعلها كالمبتدأ بها.