الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } * { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } * { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } * { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ }

قوله تعالى ذكره { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي } ، إلى قوله { بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } ،

أي قالت بلقيس لأشراف قومها: أشيروا / علي في أمري الذي قد حضرني في أمر هذا الكتاب الذي ألقي إلي. { مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } ، أي قالت: ما كنت قاضية أمراً في جواب هذا الكتاب حتى تشهدون أي تحضروني. قال لها أشراف قومها لما شاورتهم في أمرها: { نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ } ، أي أصحاب قوة في القتال { وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي ذوو بأس في الحرب شديد، والأمر أيّتها الملكة إليك في القتال وغيره { فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ }.

روي: أن قومها كانوا أولي قوة، وأن أحدهم كان يركض الفرس حتى إذا امتلأ في جريه ضم فخذيه عليه فحبسه بقوته.

روى الأعمش عن مجاهد أنه قال: كان مع ملكة سبأ اثنى عشر ألف قيول مع كل قيول مائة ألف.

وعن ابن عباس أنه قال: كان مع بلقيس مائة ألف قيل مع كل قيل مائة ألف، والقيل بلسانهم الملك.

ثم قال تعالى: { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } ، أي قالت بلقيس لأشراف قومها: إن الملوك إذا دخلوا قرية عنوة وغلبة أفسدوها. { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } ، تم كلامها.

ثم قال الله عز وجل تصديقاً لقولها في الملوك إذا غلبوا على قرية: { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } ، وقد أجاز بعضهم أن يكون ذلك من قولها على التأكيد لصدر ما قالت.

وقيل: هو من قول سليمان. ومثله في اتصال كلامين مختلفين قوله:وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [يوسف: 51] في يوسف، فهو من قول امرأة العزيز فاتصل له كلام يوسف. فقال:ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } [يوسف: 52]، ومثله في قصة فرعون.يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } [الشعراء: 35]، وانتهى كلام الأشراف من قوم فرعون ثم اتصل به كلام فرعون لهم وهو قوله: { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } يخاطب أشراف قومه.

والقرية كل مدينة تجمع الناس مشتقة من قريت الماء: أي جمعته.

ثم قال تعالى عنها: أنها قالت لهم: { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } ، أي إني مرسلة إلى سليمان بهدية، لنختبر بذلك سليمان ونعرف أملك أم نبي؟ فإن يكن نبياً لم يقبل الهدية، ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه، وإن يكن ملكاً قَبِل الهدية وانصرف. قال ذلك ابن عباس.

قيل: إنها لما لم يشر عليها قومها برأي رجعت إلى رأيها فأرسلت الهدية.

قال ابن عباس: بعثت إليه بوصائف ووصف ألبستهم لباساً واحداً حتى لا يعرف ذكر من أنثى، فقالت: إن زيل بينهم حتى يعرف الذكر من الأنثى، ثم رد الهدية فإنه نبي، وينبغي لنا أن نترك ملكنا، ونتبع دينه ونلحق به. وكذلك قال ابن جريج، ومجاهد، والضحاك.

وروي عن ابن عباس أنه قال: أهدت إليه اثني عشر غلاماً فيهم تأنيث مخضبة أيديهم قد مشطتهم، وألبستهم لباس الجواري، وقالت لهم: إذا كلمكم فردوا عليه كلاماً فيه تأنيث، وأهدت إليه اثني عشر جارية فيهن غلظ، واستأصلت رؤوسهن وأزرتهن، وألبستهن النعال، وقالت لهن: إذا كلمكن فردوا عليه كلاماً صحيحاً وأرسلت إليه بعود يخرج بالمسك والعبير والحرير في الأطباق على أيدي الوصفاء والوصائف، وأرسلت إليه اثني عشر بختية، كل بختية تحلب كذا وكذا من اللبن.

السابقالتالي
2 3