الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } * { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

قوله تعالى ذكره: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } ، إلى آخر السورة.

أي: الشعراء يتبعهم أهل الغي، لا أهل الرشد.

قال ابن عباس: الغاوون: رواه الشعر. وقال مجاهد، وقتادة هم الشياطين. وقال عكرمة، هم عصاة الجن. وقيل: هم السفهاء. وعن ابن عباس: أنها نزلت في رجلين: أحدهما من الأنصار، والآخر من غيرهم، تهاجيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه. أي: سفهاء. وكذلك قال الضحاك. وقيل: الغاوون: ضلال الجن والإنس. وقال ابن زيد: الغاوون: المشركون، والشعراء هنا: شعراء، لأن الغاوون لا يتبع إلا غاوياً مثله. قال الطبري: هم شعراء المشركين، يتبعهم غواة الناس، ومردة الشياطين، وعصاة الجن.

ثم قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ }.

هذا مثل ومعناه: أنهم في كل فن من القول الباطل يذهبون، يمدحون هذا بما ليس فيه، ويذمون هذا بما ليس فيه، فهم يذهبون، كالهائم على وجهه، قال ابن عباس: معناه في كل لغو يخوضون.

ثم قال: { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } ، أي: يكذبون، ثم قال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ،. فهذا الاستثناء يدل على أن الأول في المشركين نزل والسورة مكية إلا هذه الآيات نزلت بالمدينة في: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة. وهم شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هي لكل من كان مثلهم. هذا قول ابن عباس، وأدخل الضحاك هذه الآيات في الناسخ والمنسوخ. فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ، نسخت ما قبلها. والصحيح أنه استثناء، والاستثناء عند سيبويه بمنزلة التوكيد لأنه يبين به كما يبين بالتوكيد.

قال قتادة: قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الآية، نزلت في حسان، وكعب بن مالك، وعبد الله الأنصاري الذين هاجوا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم قال تعالى: { وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } ، أي: ذكروه في حال كلامهم، ومحاورتهم ومخاطبتهم الناس / قاله ابن عباس. وقال ابن زيد: وذكروا الله كثيراً في شعرهم. وقيل المعنى: لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله. إنما ناضلوا من كذّب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحق الناس بالهجاء { وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } ، أي: هجوا من هجاهم، من شعراء المشركين، وجاوبوهم عن هجائهم.

قال ابن عباس: يردون على الكفار الذين هجوا المسلمين.

قال سالم مولى تميم الداري: لما نزلت: { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } الثلاث الآيات: جاء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يبكون فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآيات أنا شعراء، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ، إلى { ظُلِمُواْ }.

وقال: أنتم. ثم قال تعالى: { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } ، يعنى مشركي مكة، الذين ظلموا أنفسهم بشركهم بالله، سيعلمون أي: مرجع يرجعون، وأي: معاد يعودون بعد مماتهم، وأي منصوب ينقلبون على المصدر، وليس بمفعول به، لأن " ينفعل " لا يتعدى: نحو: ينطلق، فإنما نصبه على أنه نعت لمصدر محذوف عمل ما فيه { يَنقَلِبُونَ } ، ولا ينتصب " سيعلم " لأن " سيعلم " خبر، أو " أي " استفهام ولا يعمل ما قبل الاستفهام فيه.