قوله تعالى ذكره: { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } ، إلى قوله: { قَبْضاً يَسِيراً }. أي ولقد أتى هؤلاء الذين اتخذوا القرآن مهجوراً على القرية التي أمطرت مطر السوء وهي سدوم قرية قوم لوط و { مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } ، الحجارة التي أهلكهم الله بها. وقال ابن عباس خمس قريات أهلك الله أربعا، وبقيت الخامسة واسمها سفن كان أهلها لا يعملون ذلك العمل، وكانت سدوم أعظمها وهي التي نزل لوط، ومنها بعث، وكان إبراهيم صلى الله عليه [وسلم]، ينادي نصيحة لهم يا سدوم يوم لكم من الله أنهاكم أن تتعرضوا للعقوبة من الله، وكان لوط ابن أخي إبراهيم. ثم قال { أَفَلَمْ يَكُونُواْ / يَرَوْنَهَا } ، أي: أفلم يكن هؤلاء المشركون يرون تلك القرية وما نزل بها، فيحذروا أن ينزل بهم مثل ذلك. ثم قال { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } ، أي: لم يكذبوا محمداً، لأنهم لم يكونوا يرون القرية وما حل بها، ولكنهم كذبوه من أجل أنهم قوم لا يخافون نشوراً بعد الموت، أي: لا يؤمنون بالآخرة. وقيل: المعنى: بل كانوا لا يرجون ثواب الله عند النشور، فاجترأوا على المعاصي. ثم قال تعالى: { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } ، أي: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المشركون ما يتخذونك إلا هزؤاً، أي: سخرياً يسخرون منك يقولون: { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } ، من بين خلقه، احتقارا له. { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } ، أي: قد كاد يضلنا { عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } ، أي: على عبادتها. قال الله جل ذكره: { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } أي: سيتبين لهم حين يعاينون عذاب الله، ويحل بهم، من السالك سبيل الردى والراكب طريق الهدى أنت أم هم. ثم قال تعالى: { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } ، أي: جعل إلهه ما يشتهي، ويهوى من غير حجة ولا برهان على اتخاذه إياه إلهاً. كان الرجل من المشركين يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه رمى به، وأخذ الآخر فعبده. ثم قال: { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } ، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أي: أفأنت تجبره على ترك ذلك. وقيل: معناه: أفأنت تكون عليه حفيظاً، في أفعاله مع عظيم جهله. وقيل: معناه أفأنت يمكنك صرفه عن كفره، ولا يلزمك ذلك، إنما عليك البلاغ والبيان. أي: لست بمأخوذ بكفرهم، ادع إلى الله وبين ما أرسلت به فهذا ما يلزمك لا غير. ثم قال تعالى: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ } ، أي: يسمعون ما يتلى عليهم، فيعون أو يعقلون، ما يعاينون من حجج الله فيفهمون { إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ } ، أي ما هم إلا كالأنعام التي لا تعقل ما يقال لها: { بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } ، من البهائم لأن البهائم تهتدي لمراعيها، وتنقاد لأربابها، وهؤلاء الكفار، لا يطيعون ربهم ولا يشكرون نعمة من أنهم عليهم.