الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } * { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } * { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } * { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } * { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً }

قوله تعالى ذكره: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } ، إلى قوله: { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } ،

أي وقال المشركون الذين لا يخافون العذاب، ولا يؤمنون ببعث ولا حساب لمحمد صلى الله عليه وسلم: هلا أنزل علينا الملائكة فتخبرنا أنك رسول حقا { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } ، فيخبرنا بذلك. قاله ابن جريج وغيره.

غلطوا في صفات الله جل ثناؤه، ولم يعلموا أنه لا يُرى في الدنيا فسألوا ما لا يمكن كونه، كما غلط اليهود إذ قالواأَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً } [النساء: 153] وهذا مثل قولهم في سورة " سبحان "أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } [الإسراء: 92] ثم قال جل ذكره: { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } أي: تعظموا إذ سألوا مثل هذا الأمر الجليل وقوله { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } ، أي: تقول الملائكة لهؤلاء المشركين: حراماً محراماً عليكم اليوم البشرى، قاله الضاحك وقتادة. وأصل الحجر المنع، ومنه حجر القاضي على فلان، ومنه حِجر الكعبة لأنه لا يدخل إليه في الطواف.

وقال: ابن جريج: هو قول من المجرمين، وذلك أن العرب كانت إذا كرهت شيئا قالت: حجرا محجورا. فما رأى المجرمون ما يكرهون يوم القيامة. قالوا حجراً محجوراً. يقولون ذلك للملائكة على عاداتهم في الدنيا أي: لا تعرضوا لنا، وذلك لا ينفعهم. وكذا قال: مجاهد: هو من قول المجرمين يستعيذون من الملائكة.

قال أبو عبيدة: في معنى الآية: كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا لقي رجلا في الشهر الحرام وبينه وبينه تِرة أو طلب، قال: حجراً محجوراً: أي: حرام عليك دمي وأذاي، قال: فإذا رأى المشركون الملائكة يوم القيامة قالوا: حجراً محجوراً: أي: حرام دماؤنا يظنون أنهم في الدنيا، وأن ذلك ينفعهم. وعن ابن عمر أنه قال: إذا كان يوم القيامة تلقت الملائكة المؤمنين بالبشرى، فإذا رأى ذلك الكفار قالوا لهم بشرونا، فتقول لهم الملائكة: حجراً محجوراً أي: حراماً محرماً عليكم البشرى فيأسون من الخير.

ثم قال تعالى: { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } ، الآية أي: وعمدنا وقصدنا إلى ما عمل هؤلاء المجرمون، وأتى لفظ / القدوم بمعنى القصد لأنه أبلغ في الخطاب، وذلك أنه يدل على أنه تعالى عاملهم معاملة القادم من سفر لأجل إمهاله لهم كالغائب، ففي لفظ " قدمنا " معنى التحذير من الاغترار بالإمهال.

وقيل: المراد بالقدوم الملائكة لما كان الله تعالى: هو يقدمهم إلى ذلك أخبر عن نفسه به.

وقوله: { فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } ، أي: باطلاً لا ينتفعون به. لأنهم للشيطان عملوا، والهباء الذي يرى كهيئة الغبار إذا دخل ضوء الشمس من كوة يحسبه الناظر غباراً، وليس بشيء تقبض عليه الأيدي، ولا تمسه، ولا يرى ذلك في الظل.

السابقالتالي
2 3