الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } * { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }

قوله تعالى ذكره: { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } إلى قوله: { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } ،

أي قال عيسى صلى الله عليه وسلم وعزيراً، والملائكة تنزيهاً لك يا ربنا وبراءةً مما أضاف إليك هؤلاء المشركون.

{ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } بل أنت ولينا من دونهم. { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ } بالمال في الدنيا والصحة { حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ } أي: ذكرك. { وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } أي: هلكى.

قيل: إن أعمارهم طالت بعد موت الرسل فنسوا وهلكوا.

قال الحسن: البور الذي ليس فيه خير، وكذلك قال: ابن زيد، والعرب تقول لما فسد وهلك أو كسد: بائر ومنه بارت السوق / " ومن في { مِنْ أَوْلِيَآءَ } زائدة، زيدت للتوكيد بعد النفي، وأولياء في موضع نصب يتخذ، والمعنى: ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء، فكيف يتخذنا أحد أولياء من دونك، وكيف نرضى بذلك، نحن لا نرضى بذلك لأنفسنا، فكيف نرضاه لغيرنا، ووقع هذا الجواب على المعنى لا على اللفظ، لأنه ليس بجواب لقوله { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ } ولكن حمل الجواب على المعنى لأن من عبد شيء فقد تولاه، ومن تولى شيئا فالمتولى ولي للمتولي، فكلاهما ولي للآخر، فلذلك قالوا: { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } فجاء الجواب على المعنى هذا يسمى التدريج عند بعض أهل النظر، ومثله قوله:أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [سبأ: 40] فأتى الجواب على المعنى، فقالوا:سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } فكأنه قال: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون، اتخذوكم أولياء يعبدونكم فقالوا: { أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } وكذلك قوله { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي } معناه: أنتم اتخذتم عبادي أولياء فضلوا. فقالوا: { قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ }. وقرأ الحسن وأبو جعفر { أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } بضم النون وفتح الخاء.

قال أبو عمرو: لو كانت نُتخذ لحُذفت " من " الثانية: فقلت أن نتخذ من دونك أولياء. وأجازه الفراء والكسائي: على بُعد وقُبح، وذلك لا يجوز عند البصريين لأن أولياء ليس بمفعول على هذه القراءة واحد في معنى الجمع وإنما تدخل " من " على الواحد الذي في معنى الجماعة، ألا ترى أنك تقول، ما رأيت رجلاً، فإن أردت النفي العام قلت: ما رأيت من رجل، وليس { أَوْلِيَآءَ } في قراءة من ضم النون واحدا في معنى جماعة، ألا ترى أنك لو قلت: ما اتخذت أحداً وليّاً لي جاز أن تقول ما اتخذت من أحد وليا، لأن أحدا في معنى الجماعة، أحداً من ولي لم يجز إذ ليس ولي في معنى الجماعة، فكذلك القراءة بضم النون، تقبح مع ثبات " من " قبل أولياء فافهمه.

السابقالتالي
2