الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَآفَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } * { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } * { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

قوله تعالى ذكره: { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ } ، إلى قوله: { لَعِبْرَةً } { لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } ،

الكاف في { كَظُلُمَاتٍ } ، في موضع / رفع عطف على الكاف في { كَسَرَابٍ } ، والكاف في { كَسَرَابٍ } ، في موضع رفع خبر الابتداء، وهو أعمالهم.

وقيل: التقدير أو هي كظلمات، فتقف على هذا القول على ما قبل { أَوْ كَظُلُمَاتٍ } ولا تقف على القول الأول لأنه معطوف على ما قبله. وهنا مثل آخر ضربه الله تعالى لأعمال الكفار في أنها عملت على خطأ، وفساد،

وضلالة من، فأعمالهم مثل ظلمات في بحر لجي، أي عميق كثير الماء، ولجة البحر معظمه ووسطه.

{ يَغْشَاهُ مَوْجٌ } ، أي يغشى البحر موج، من فوق ذلك الموج موج، من فوق ذلك الموج سحاب.

{ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } ، فالظلمات مثل لأعمال الكفار، والبحر اللجي مثل لقلب الكافر، أي عمله بنية قلب قد غمره الجهل، وغشيته الضلالة والحيرة. كما يغشى هذا البحر موج من فوقه موج من فوقه سحاب، فكذلك قلب الكافر الذي عملُه كالظلمات يغشاه الجهل بالله، إذ الله ختم عليه، فلا يعقل عن الله، وعلى سمعه، فلا يسمع مواعظ الله، وعلى بصره غشاوة، فلا يبصر حجج الله، فتلك الظلمات بعضها فوق بعض.

قال: ابن عباس: الظلمات: الأعمال، والبحر اللجي: قلب الإنسان. وقوله: { يَغْشَاهُ مَوْجٌ } ، إلى { فَوْقَ بَعْضٍ } ، يعني به الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر.

وقال أبي بن كعب: الكافر يتقلب في خمس من الظلم: فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومدخله ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة في النار، فأعلمنا الله بهذه الآيات أمثال المؤمنين وأعمالهم، وأمثال الكفار وأعمالهم، وأن المؤمن يجد عمله عند الله فيجازيه عليه، ويزيده تفضلاً، وأن الكافر لا يجد شيئاً إذ لم يكن معه توحيد تقبل الأعمال معه.

ولا تقف على { يَغْشَاهُ مَوْجٌ } ، لأن { مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } ، نعت له، وكذا { مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } ، لا تقف عليه لأن { مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ } ، نعت له، وتقف على { سَحَابٌ } على قراءة من رفع " سحاباً " و " ظلمات " وإن كسرت التاء، وأضفت سحاباً إلى ظلمات لم تقف على سحاب لأنه مضاف إلى الظلمات، فإن نونت وكسرتها، لم تقف على سحاب أيضاً، لأن ظلمات بدل من ظلمات الأول.

ثم قال تعالى: { إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } ، أي إذا أخرج الناظر يده من هذه الظلمات التي وصفت لم يكد يراها، أي رآها بعد تعب وشدة. رؤية خفية، فإن قيل: كيف رآها مع هذه الظلمات المتضاعفة، فالجواب: أنه كقول القائل: ما كدت أراك من الظلمة أي ما رأيتك إلا بعد نظر وشدة، وتعب، فكذلك هذا.

وقيل: المعنى إذا أخرج يده رائياً لها لم يكد يراها، أي لم يقرب من أن يراها، فهو لم يرها من شدة الظلمة.

السابقالتالي
2 3 4