الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى ذكره: { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا } ، إلى قوله: { طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }.

سورة مرفوعة على إضمار مبتدأ، أي هذه سورة، وأنزلناها نعت للسورة، وقبح رفعها على الابتداء لأنها نكرة، ولا يبتدأ بالنكرات إذ لا فائدة فيها، وقد أجازه أبو عبيدة.

وقرأ عيسى بن عمر بالنصب على معنى: اتل سورة، أو على معنى: أنزلنا سورة أنزلناها.

ومن شدد { فَرَضْنَاهَا } جعله بمعنى: فضلناها، فجعلنا فيها فرائض مختلفة.

وقيل: معنى التشديد أنه فرضها على من أنزلت عليهم، وعلى من بعدهم إلى يوم القيامة، فشدد ليدل على معنى التكثير من المأمورين.

ومن خفف جعله على معنى: أوجبنا ما فيها من الأحكام فجعلناه فرضاً عليكم. وقوله:قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [الأحزاب: 50]، يدل على اختيار التخفيف، لأنه فيه معنى تكثير المأمورين، لأنه فرض علينا وعلى من بعدنا ومن قبلنا، وفيه فرائض مختلفة أيضاً، وقد أجمع على تخفيفه.

قال ابن عباس { فَرَضْنَاهَا } بيناها.

وقيل { فَرَضْنَاهَا } فرضنا العمل بما فيها، وهذا يدل على التخفيف.

وقول ابن عباس يدل على التشديد.

وقوله: { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } ، أي دلالات وحجج على الحق، واضحات لمن تأملها وآمن بها.

قال ابن جريج: آياتٍ بينات: يعني الحلال، والحرام، والحدود.

{ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، أي تذكرون بهذه الآيات التي أنزل عليكم.

ثم قال تعالى: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ }.

كل القراء على الرفع إلا عيسى بن عمر فإنه قرأ بالنصب، وهو اختيار الخليل وسيبويه لأن الأمر بالفعل أولى، وسائر النحويين على خلافهما في هذا الاختيار، واستدل المبرد على خلافهما، بإجماع الجميع على الرفع في قوله:وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا } [النساء: 16] وإنما اختار النحويون الرفع لأنه مبهم لا يقصد به شخص بعينه (زنى)، وتقدير الرفع عند سيبويه والخليل " وفيما يتلى عليكم الزانية والزاني، ويحسن الرفع بالابتداء وما بعده خبره، والمعنى من زنى من الرجال والنساء، وهو حر بكر غير محصن فاجلدوه ضرباً مائة جلدة. { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } أي رقة، ورحمة عند الجلد في دين الله، أي في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحدود، فكل من أقام الحد. فهو ممن لا تأخذه رأفة في حدود الله.

والرأفة من الآدميين، رقة القلب، وهي من الله تعالى رحمة وإنعام ولا يجوز عليه رقة القلب.

وقوله: { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } لأن لا تقصروا في إقامة الحدود.

{ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } وهذا يدل على أن إقامة حدود الله من الإيمان بخلاف ما تدعيه المرجئة من أن الإيمان قول بلا عمل.

وقال ابن المسيب والحسن: معناه لا تخففوا الضرب ولكن أوجعوا، قالا: هو الجلد الشديد.

السابقالتالي
2 3