الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } * { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } * { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }

قوله تعالى ذكره: { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ } إلى قوله: { إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ }.

معنى هذا القول التوقيف والتقبيح كقول العرب: الخير أحب إليك أم الشر. أي: إنك قد اخترت الشر. ومعناه: أفلم يدبر هؤلاء المشركون كلام الله فيعلموا ما فيه من العبر والحجج { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } يعني أسلافهم من الأمم المكذبة قبلهم، بل جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بمثل ما أتت به الرسل قبله لآبائهم، فواجب عليهم ألا ينكروا ما جاءهم به محمد عليه السلام، لأنه أتى بمثل جاء به غيره من الرسل لآبائهم. وقيل: " أم " هنا بمعنى " بل " ، والتقدير: بل جاءهم ما لم يأت أسلافهم فتركوا تدبره إذ لم يكن عند من سلف لهم مثله ولا أرسل إليهم مثله.

ثم قال: { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ }.

أي: أم لم يعرفوا صدق محمد وأمانته " فهم لهم منكرون " أي: فينكروا قوله إذ لم يعرفوه بالصدق فكيف يكذبونه وهم يعرفونه بالصدق والأمانة. ثم قال تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ }.

أي: أيقولون بمحمد مجنون فهو يتكلم بما لا معنى له ولا يفهم.

{ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ }.

أي: جاءهم بحق لا تخفى صحته والمجنون لا يتكلم بكلام فيه حكمة ولا يصح له معنى، فكيف يكون مجنوناً من يأتي بالحق والحكمة، وإنما نسبوه إلى الجنون لأن الذي جاءهم به بَعُدَ عندهم قبولهم له كما يقال لمن سأل ما لا يتمكن فعله هو مجنون أي: لا يسأل مثل هذا السؤال إلا مجنون /.

فلما دعاهم مع شرفهم عند أنفسهم إلى اتباعه والقبول لقوله وذلك عندهم متعذر منهم، نسبوه إلى الجنون.

ثم قال: { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } أي: قد علموا أنه محق فيما جاءهم به، وليس بمجنون، ولكن أكثرهم كاره لاتباع الحق الذي قد صح عندهم وعلموه حسداً منهم له، وبغياً عليه واستكباراً في الأرض.

ثم قال تعالى: { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ }.

أي: ولو اتبع الله عز وجل أهواء الكفار، قاله السدي.

وتقديره على قوله: ولو اتبع صاحب الحق أهواء المشركين { لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } باتباع آرائهم، لأنهم لا يعلمون العواقب، وأهواء أكثرهم على إيثار الباطل على الحق، والسماوات والأرض وما بينها لم يقمن إلا بالحق.

وقيل: الحق هنا: القرآن، والمعنى: ولو نزل القرآن بما يحبون لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن.

وقيل: هو مجاز، والتقدير: ولو وافق الحق أهواءهم، فجعل موافقته اتباعاً، مجازاً، ويكون التقدير على هذا، لو كانوا يكفرون بالرسل، ويعصون الله، ولا يجازون على ذلك ويعاقبون لفسدت السماوات والأرض.

وقيل: المعنى: لو كان الحق فيما يقولون من اتخاذ آلهة مع الله لتعالت بعضها على بعض واضطرب التدبير ففسدت لذلك السماوات والأرض.

السابقالتالي
2 3