قوله تعالى ذكره: { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ } إلى قوله: { وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ }. أي: قال أشراف قوم نوح: ما نوح إلا رجل به جنون { فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ } أي: تمهلوا به إلى وقت ما. قال نوح: { رَبِّ ٱنصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ } أي: بتكذيبهم إياي. دعا صلى الله عليه وسلم واستنصر بالله لما طال عليه أمرهم وأبوا إلا تكذيبه. ثم قال تعالى: { فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ ٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا }. أي: فقلنا له حين استنصرنا على كفرة قومه: اصنع الفلك بمرأى منا وتعليم لك بما تصنع. { فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } أي: قضاؤنا في قومك بالعذاب والهلاك. { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } قد تقدم في " هود " ومعنى " فار التنور ". وقد قال علي بن أبي طالب: " فار التنور " من مسجد الكوفة. وعنه أنه قال: " فار التنور " هو تنوير الصبح. قال الضحاك: كان التنور آية فيما بين الله وبين نوح، قال له: إذا رأيت الماء قد خرج من التنور فاعلم أن الهلاك والغرق قد أتى قومك. ثم قال: { فَٱسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ }. أي: فادخل في الفلك، يقال سلكته في كذا وأسلكته أدخلته. { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ } أي: وأدخل أهلك في الفلك يعني ولده ونساءه. { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ } أي: لا تحمل من سبق عليه القول من الله أنه هالك مع أهلك يعني ابنه الذي غرق. ثم قال تعالى: { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ }. أي: لا تسألني في الذين كذبوك أن أنجيهم، { إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } أي: قضيت أن أغرق جميعهم. ثم قال تعالى: { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ }. أي: إذا اعتدلت أنت ومن حملته معك في السفينة، فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين { وَقُل } أيضاً يا نوح: { رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً } ، إذا خرجت من السفينة وسلمك الله ومن معك. قاله مجاهد. { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } أي: خير من أنزل عباده المنزل المبارك ومن قرأ " مُنزَلاً " بضم الميم، جعله مصدراً، لأن صدر الكلام قد مضى على: أنزل، فصار بمنزلة{ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } [الإسراء: 80] يقال: أنزلته إنزالاً ومنزلاً. ومن قرأ بفتح الميم جعله اسماً لكل ما نزل فيه، فمعناه: أنزلني مكاناً مباركاً وموضعاً مباركاً. ويجوز في النحو فتح الميم والزاي بجعله مصدر نزل، كالمدخل مصدر دخل. ثم قال تعالى: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ }. أي: إن فيما فعلنا بنوح وقومه من إنجائه وإهلاكهم حين كذبوه لَعِبراً لقومك وغيرهم، فيزدجروا عن كفرهم لئلا يحل عليهم مثل ما حل على قوم نوح من العذاب.