قوله تعالى ذكره: { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }. إلى قوله: { وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ }. أي: فمن ثقلت موازين حسناته، وخفت موازين سيئاته فأولئك هم الباقون في النعيم، ومن خفت موازين حسناته وثقلت موازين سيئاته { فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } ، أي: غبنوا أنفسهم حظها من رحمة الله في جهنم، { خَالِدُونَ } أي ماكثون { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } أي: تنفح وجوههم النار. ثم قال: { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ }. قال ابن مسعود: " الكالح ": الذي قد بدت أسنانه، وتقلصت شفتاه، كالرأس المشيط بالنار. وقال ابن عباس: " كالحون " عابسون. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تشوي أحدهم النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته ". قال الحسن: لفحتهم النار لفحة، فلم تدع لحماً ولا جلداً إلا ألقتهُ عند العراقيب وبقيت العظام بيضاء تلوح. ثم قال تعالى: { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ }. أي: يقال لهم: ألم تكن آيات القرآن تتلى عليكم في الدنيا فكنتم بها تكذبون. ثم قال: { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا }. أي: غلب علينا ما سبق في سابق علمك وخط لنا في أم الكتاب. قال مجاهد: شقوتنا التي كتبت علينا. قال ابن جريج: بلغنا أن أهل النار نادوا خزنة جهنم أن{ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 49] فلم يجيبوهم ما شاء الله، فلما أجابوهم بعد حين قالوا:{ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [غافر: 50]. قال: ثم نادوا مالكاً:{ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } [الزخرف: 77] قال: فسكت عنهم مالك خازن جهنم أربعين سنة ثم أجابهم فقال:{ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [الزخرف: 77]، ثم نادى الأشقياء ربهم فقالوا: { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ }: قال: فسكت عنهم مقدار الدنيا، ثم أجابهم بعد ذلك { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ }. وروى أن لأهل جهنم أربع دعوات، أولها ما حكى الله جل ذكره في غافر من قولهم:{ قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } [غافر: 11]، والثانية، ما حكى الله عنهم في غافر أيضاً قوله:{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 49] فأجابتهم الخزنة: { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } ، قالوا: " بلى " ، قالت لهم الخزنة:{ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [غافر: 50]. والثالثة ما حكى الله تعالى عنهم في الزخرف من قوله:{ وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } [الزخرف: 77] فأجابهم مالك فقال:{ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [الزخرف: 77]، والرابعة في قد أفلح: قوله: { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } فيجيبهم الرب اخسئوا فيها ولا تكلمون، فتصير لهم همهمة كنباح الكلاب.