الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } * { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } * { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

قوله تعالى ذكره: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ } إلى قوله: { وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ }.

أي: ادفع يا محمد فعل هؤلاء المشركين بالخلة التي هي أحسن، وذلك الإغضاء والصفح عن جهلهم، والصبر على أذاهم، وهذا قبل أن يأمره بحربهم. فهو منسوخ بالأمر بالقتال.

والسيئة هنا هي أذى المشركين إياه، وتكذيبهم له.

قال مجاهد: معناه: أعرض عن أذاهم إياك.

وروي عنه أنه قال: هو السلام يسلم عليهم إذا لقيهم.

ثم قال: { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ }.

أي: ما يصفون الله به جل ذكره من السوء، وهو مجازيهم عليه.

ثم قال تعالى: { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ }.

أي: رب استجيرك من وسوسة الشياطين ".

وقال ابن زيد: " همزات الشياطين " خنقهم للناس.

{ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }.

أي: يحضرون في شيء من أموري.

وقيل: " همزات الشياطين " الجنون الذي يعرض للناس والصرع وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الشيطان، ويقول: " من همزه ونفثه ونفخه فقيل: يا رسول الله، وما همزه فذكر هيئة الموتة الذي تأخذ الناس، وهو الجنون والصرع، فقيل له: وما نفثه؟ قال: الشِعر. فقيل له: وما نفخه؟ قال: الكفر ".

ثم قال: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ }.

أي: إذا عاين أحد هؤلاء المشركين الموت ونزل به أمر الله تعالى: { قَالَ } لعظيم ما يعاين من عذاب الله: { رَبِّ ٱرْجِعُونِ } إلى الدنيا { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } قبل اليوم من العمل فضيعته وفرطت فيه. وذلك تندماً منه على ما فات وتلهفاً.

يقول الجبار: { كَلاَّ } أي: لا ترد، وذلك لا ينفعه، لأنه وقت رفع عنه حد التكليف، فلا تنفع فيه توبة، وذلك عند اليقين بالموت، والبشارة بما أعد له من العذاب، والإعلام بما كان عليه من الخطأ في دينه، فإذا عاين ذلك كله، لم ينفعه ندم ولم يتقبل منه توبة ولم يقل من ندامته.

وليست " لعل " في هذا للشك، لم يرد لعلي أعمل أو لا أعمل إنما هي لليقين، أي: إن رددت عملت، وهو لا يرد أبداً.

قال ابن زيد: ذلك حين تنقطع الدنيا، ويعاين الآخرة قبل أن يذوق الموت.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا حضر الإنسان / الموت جمع له كل شيء كان يمنعه من ماله من حقه، فجعل بين يديه، فعند ذلك يقول: { رَبِّ ٱرْجِعُونِ... } الآية.

وروى ابن جريج " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا عاين المؤمن الملائكة، قالوا: نرجعك إلى الدنيا، فيقول: إلى دار الهموم والأحزان، فيقول: بل قدماً إلى الله جل ثناؤه، وأما الكافر فيقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت ".


السابقالتالي
2 3