قوله تعالى ذكره: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } إلى قوله: { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ }. أي: له ملك ما في السماوات وما في الأرض، وأن الله لهو الغني عن خلقه. وهم المحتاجون إليه. { ٱلْحَمِيدُ } أي: المحمود عند / عباده في أفضاله ونعمه عندهم. ثم قال: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ }. أي: سخر لكم ما في الأرض من الدواب والأنعام وغير ذلك تنتفعون وتأكلون وتركبون وتلبسون منه، وسخر لكم " الفلك لتجري في البحر بأمره " أي: بقدرته وتذليله إياها لكم. ثم قال: { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ }. أي: يمسكها بقدرته لئلا تقع على الأرض. { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }. أي: لذو رأفة ورحمة بهم. ثم قال: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ }. أي: والذي أنعم عليكم هذه النعم المذكورة، هو الذي خلقكم أجساماً أحياء بحياة أحدثها فيكم ولم تكونوا شيئاً، ثم يميتكم فيفنيكم عند مجيء آجالكم، ثم يحييكم عند بعثكم لقيام الساعة، { إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } أي: إن ابن آدم لجحود لنعم الله عليه، إذ يعبد غير من أنعم عليه بهذه النعم المذكورة وبغيرها. ثم قال تعالى: { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ }. أي: لكل جماعة قوم لنبي خلا قلبك يا محمد، جعلنا مألفاً يألفونه، ومكاناً يعتادونه لعبادة الله تعالى، وقضاء فرائضه، وعملاً يلزمونه. وأصل المنسك: المكان المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شر، وإنما سميت المناسك مناسك الحج لتردد الناس إليها للعمل الذي فرض عليهم لعمل الحج والعمرة فألفوه. وكسر " السين " لغة أهل الحجاز، وفتحها لغة أسد. قال ابن عباس: جعلنا منسكاً. أي: عيداً. وقال مجاهد: وهو إراقة الدم بمكة. وقال قتادة: " منسكاً " ذبحاً وحجاً. وقد رويَ أن المشركين جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في إراقة الدم أيام النحر. فهذه الآية في ذلك والله أعلم. دل على هذا التأويل قوله: { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ } أي: فلا يجادلنك في ذبحك ونسكك قولهم: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله وهو الميتة. ومعنى: " فلا ينازعنك " ، أي: فلا تنازعنهم لأنهم قد نازعوه في ذلك قبل نزول الآية. ثم قال: { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ }. أي: ادع يا محمد منازعيك من المشركين بالله في نسكك وذبحك إلى اتباع أمر ربك بأن يأكلوا ما ذبحوه بعد اتباعك والتصديق بما جئتهم به. { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } أي: طريق غير زائل عن الحق والصواب. ثم قال تعالى: { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ }. أي: إن جادلك هؤلاء المشركون في نسكك، { فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } " لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي: يقضي بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون من أمر دينكم.