الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى ذكره: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } إلى قوله: { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.

هذا تقرير وتوبيخ للكفار من قريش وغيرهم. ومعناه: أفلم يسر هؤلاء المكذبون بك يا محمد، فينظروا إلى مصارع أشباههم من الأمم المكذبة للرسل قبلهم، فيخافوا أن يحل عليهم مثل ذلك بتكذيبهم لك، فيرجعوا عن التكذيب إلى الإقرار والتصديق لك، ويفهموا ذلك بقلوبهم، ويسمعوه بآذانهم.

وقوله: " فَتَكُونَ " جواب النفي. وقيل: هو جواب الاستفهام والمعنى: قد ساروا في الأرض فلم تكن لهم قلوب يعقلون بها مصارع من كان قبلهم من الأمم الماضية، يخاطب قريشاً، لأنهم كانوا يسافرون إلى الشام فيرون آثار الأمم الهالكة، فهو في المعنى: خبر فيه تنبيه وتقرير إخبار عن أمر قد كان. كما قال:أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح: 1]. أي: قد شرحنا لك صدرك.

ونصب " فَتَكُون " عند الكوفيين على الصرف، إذ معنى الكلام الخبر، فكأنهم صرفوه عن الجزم على العطف على يسيروا، فلما صرف عن الجزم، رد إلى آخر الجزم وهو النصب، فهذا معنى الصرف عندهم.

ثم قال تعالى: { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ }.

أي: فإن القصة لا تعمى أبصارهم أن يبصروا بها الأشخاص، ولكن تعمى قلوبهم التي في صدورهم عن إبصار الحق ومعرفته.

قال قتادة: البصر: الناظر بلغة ومنفعة والبصر النافع في القلب.

وقال مجاهد: ليس من أحد إلا له عينان في رأسه وعينان في قلبه فأما اللتان في الرأس فظاهرتان يبصر بهما الظاهر، وأما اللتان في القلب، فباطنتان يبصر بهما الغيب، وذلك قول الله عز وجل: { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ }.

وقال ابن جبير: نزل في ابن أم مكتوم وكان أعمى { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ } الآية. فالمعنى: لا تعمى الأبصار السالمة عن رؤية ما تعتبر به، ولكن تعمى القلوب عن رؤية الدلالات على صحة ما تعاينه الأبصار.

وقوله: { فِي ٱلصُّدُورِ } توكيد، لأنه قد علم أن القلب لا يكون إلا في الصدور، ولكن / أكده به كما قال:يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم } [آل عمران: 167] وكما قال:وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [الأنعام: 38].

ثم قال: { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ }.

أي: ويستعجلك يا محمد مشركوا قومك بما تعدهم به، من عذاب الله على شركهم به، وليس يخلف الله وعده الذي وعدك فيهم من إحلال عذابه عليهم.

ثم قال: { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }.

يعني: أحد الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض. قاله ابن عباس، وقاله مجاهد وهي ستة أيام، كل يوم مقداره ألف سنة مما تعدون.

وعن ابن عباس أن ذلك هو اليوم من أيام الآخرة في مقدار الحساب.

وروى أبو هريرة أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بمقدار نصف يوم، فقيل له: وما نصف يوم؟

فقال: أو ما تقرأ القرآن: { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } فهذا يدل على أن المراد بالآية أيام الآخرة، وهو قول عكرمة.

السابقالتالي
2 3 4