قوله تعالى: { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } إلى قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }. أي: لن يصل إلى الله لحوم هديكم، ولا دماؤها ولكن يناله اتقاؤكم إياه وإرادتكم بها وجهه وتعظيمكم حرماته. وتقديره: لن يتقبل الله لحوم هديكم ولا دماؤها، وإنما يتقبل إخلاصكم لله وتعظيمكم لحرماته. وقيل: المعنى: لن يبلغ رضا الله لحومها ولا دماؤها ولا يرضيه ذلك عنكم، ولكن يبلغ رضاه التقوى منكم، ويرضيه ذلك عنكم. وفي الكلام مجاز وتوسع، إذا أتى " لن ينال الله " في موضع لن يبلغ رضا الله وحَسُنَ ذلك، لأن كل من نال شيئاً فقد بلغه. وقال ابن عباس: كانوا في الجاهلية ينضحون بدم البدن ما حول البيت، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل الله الآية. ثم قال: { كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ }. أي: هكذا سخر لكم البدن لكي تعظموا الله على توفيقه لكم لدينه والنسك في حجكم. وقيل: معناه: لتكبروا الله على ذبحكم في الأيام المعلومات. { وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } أي: وبشر يا محمد الذين أطاعوا الله فأحسنوا في طاعتهم إياه في الدنيا بالجنة إلى الآخرة. ثم قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ }. أي: يصرف عن المؤمنين مرة بعد مرة غائلة المشركين وما يريدون بالمؤمنين. فيكون " يدافع " على معنى: تكرير الفعل من الله، لا على معنى مدافعة اثنين. وهذا كقوله: فيضاعفه له: فيفاعل للتكرير. أي: يضعف له مرة بعد مرة، لا أن ثم فاعلين مثل: قاتل. ومن قرأ. يَدْفَعُ: أراد مرة واحدة. وعدل من يفاعل، لأن أكثر باب المفاعلة أن يكون من اثنين، والله تعالى ذكره، لا يمانعه شيء. وقيل: معناه: أن الله يدفع عن المؤمنين شدائد الآخرة وكثيراً من شدائد الدنيا. ثم قال: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }. أي: كل من خان الله فخالف أمره ونهيه، وجحد كتبه ورسله. ومعنى لا يحب كل كفار أي: لا يحب إكرامه وإعزازه، بمعنى لا يريد ذلك كما يريده بالمؤمنين، فعنى الله بهذه الآية دفعه تعالى ذكره كفار قريش عمن كان بين أظهرهم من المؤمنين قبل هجرتهم. و " خوان " فعال: من الخيانة وهو من أبنية المبالغة وكذلك كفور. ثم قال تعالى: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ }. أي: أذن الله للذين يقاتلهم المشركون أن يقاتلوهم. ففي الكلام حذف على قراءة من فتح التاء. ومن كسر التاء، فمعناه: أذن الله للذين يقاتلون المشركين في سبيله بالقتال لظلم المشركين لهم: فثم حذف أيضاً. وقرأ ابن عباس: { يُقَاتَلُونَ } بكسر التاء. وقال: هي أول آية نزلت في القتال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة.