قوله تعالى ذكره: { وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } إلى قوله: { فَٱعْبُدُونِ }. أي: واذكر يا محمد زكريا حين نادى ربه { رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً } أي وحيداً، لا ولد لي ولا عصبة، فارزقني وارثاً من آل يعقوب: { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } ، فاستجبنا له دعاءه، ووهبنا له يحيى وارثاً. ثم قال: { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ }. أي: جعلناها ولوداً بعد أن كانت عقيماً. وقال عطاء: كانت سيئة الخلق طويلة اللسان، فأصلحها الله وصيرها حسنة الخلق، وهو قول محمد بن كعب وعون بن عبد الله. ثم قال تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ }. يعني زكريا وزوجته ويحيى، أي: يسارعون في طاعة الله، والعمل بما يقرب إليه. ثم قال تعالى: { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً }. أي: رغبة فيما يرجون من ثوابه ورهبة مما يخافون من عقابه. قال قتادة: رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. والدعاء في هذا الموضع: العبادة. كما قال:{ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ } [مريم: 48] أي: أعبد ربي. قال ابن زيد: معناه: خوفاً وطمعاً. قال ابن جريج: رغباً في رحمة الله ورهباً من عذاب الله. ثم قال تعالى: { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } أي: متواضعين متذللين لا يستكبرون عن العبادة والدعاء والتضرع. قال سفيان: هو الحزن الدائم في القلب. ثم قال: { وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا }. أي: واذكر يا محمد التي أحصنت فرجها، يعني مريم: وأحصنت، حفظت ومنعت. وعنى بالفرج جيبها وقيل: فرج نفسها. وقوله: فنفخنا فيها من روحنا: أي: من جبريل صلى الله عليه وسلم، لأنه روح الله، نفخ في جيب ذراعها بعد أن منعته منه إذ لم تعرفه. وقيل: أمر الله تعالى جبريل صلى الله عليه وسلم، فنفخ الروح الذي هو روح عيسى في فرجها فحيي بذلك. ثم قال تعالى: { وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } أي: عبرة لعالم زمانهما. والتقدير على مذهب سيبويه: وجعلناها آية وابنها آية، ثم حذف الأولى. أي: علماً وحجة على العالمين والمعنى: جعلها آية إذ ولدت من غير فحل، وجعله آية إذ ولد من غير نطفة، وإذ نطق في يوم ولد، وتكلم بالحكمة في ذلك اليوم. ثم قال تعالى ذكره: { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً }. أي: وإن هذه ملتكم ملة واحدة، وأنا ربكم أيها الناس فاعبدون، دون الأصنام والأوثان. قال مجاهد وابن عباس: " أمتكم أمة واحدة " أي: دينكم دين واحد. وأمة نصبت على الحال /.