الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } * { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } * { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } * { لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } * { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } * { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } * { يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } * { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }

قوله تعالى: { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } إلى قوله: { عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }.

المعنى: وكثيراً أهلكنا من أهل القرى كانوا ظالمين بكفرهِم فـ " كم " في موضع نصب بقصمنا، وهي خبر، وفيها معنى التكثير. وانقصم أصله الكسر. يقال انقصم سنه، وقصمت ظهر فلان، أي: كسرته.

وروى ابن وهب عن بعض رجاله، أنه كان باليمن قريتان، فبطر أهلها وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم، فبعث الله تعالى إليهم نبياً فدعاهم، فقتلوه، فألقى الله في نفس بخت نصر غزوهم، فبعث إليهم جيشاً، فهزموه، ثم بعث آخر فهزموه. فخرج إليهم بنفسه، فهزمهم، فخرجوا يركضون فسمع مناد يقول: { لاَ تَرْكُضُواْ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ }. فرجعوا، فسمعوا صوتاً يقول: يا لثارات النبي فقتلوا كلهم. فهي التي عنى الله في هذه السورة حصدوا بالسيف.

قال مجاهد: " قصمنا ": أهكلنا. وجرى الخبر عن القرية والمراد أهلها، لأن المعنى مفهوم.

ثم قال: { وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } أي: أحدثنا بعد إهلاك هؤلاء الظالمين قوماً آخرين سواهم.

ثم قال: { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ }.

أي: فلما عاين هؤلاء الظالمون من أهل القرى العذاب، ووجدوا مسه، إذا هم مما أحسوا يركضون. أي: يهربون سراعاً يعدون. وأصله من ركض الدابة إذا حركت رجليك عليها فعدت.

فقوله: { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ }.

لا يرجع إلى قوله: { قَوْماً آخَرِينَ } لأنه لم يذكر لهم ذنباً يعذبون من أجله، لكنه راجع إلى قوله: { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً }.

ثم قال: { لاَ تَرْكُضُواْ }.

أي: لا تفروا ولا تهربوا. { وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ }. أي: إلى ما أنعمتم فيه من عيشكم وإلى، { وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أي: تسألون عن دنياكم شيئاً. على وجه السخرية بهم والاستهزاء. قاله: قتادة.

وقال مجاهد: { لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أي: تنتهون.

وقيل: معناه: لعلكم تسألون شيئاً مما شغلكم عما لكم فيه الصلاح، على التهدد.

وقيل: معناه: لعلكم تسألون عما نزل بكم من العقوبة وعاينتموه من العذاب.

ثم قال تعالى: { قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }.

أي: قالوا لمّا حلَّ عليهم العذاب: يا ويلنا. وهي كلمة يقولها من وقع في هلكة وتقال لمن وقع في هلكة.

{ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } بكفرنا بربنا.

ثم قال تعالى: { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ }.

أي: فما زالت تلك الكلمة دعواهم وهي الدعاء بالويل، والإقرار بالظلم.

{ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ }.

أي: حتى هلكوا فحصدوا من الحياة كما يحصد الزرع فصاروا مثل الحصيد من الزرع. { خَامِدِينَ } أي: قد سكنت حركتهم كما تخمد النار فتطفأ.

قال الضحاك ومقاتل ومجاهد: " حصدوا قتلاً بالسيف ".

قال قتادة: " لما عاينوا العذاب، لم يكن لهم هِجِّيرَي إلا قولهم: يا ويلنا، إنا كنا ظالمين.

السابقالتالي
2 3 4