الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ }.

هذه الآية نزلت في قوم سبق في علم الله فيهم أنهم لا يؤمنون، فأعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الإنذار لا ينفعهم لما سبق لهم في علمه، وَثَمَّ كفار أُخَر نفعهم الإنذار فآمنوا لما سبق لهم في علم الله سبحانه من الإيمان به، فالآية عامة في ظاهر اللفظ يراد به الخصوص، فهي في من تقدم له في علم الله أنه لا يؤمن خاصة، ومثلهوَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [الكافرون: 3].

وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إيمان جميع الخلق، فأعلمه الله عز وجل في هذه الآية أن من سبق له في علم الله [سبحانه الكفر والثبات عليه] إلى الموت لا يؤمن ولا ينفعه الإنذار، وأن الإنذار وتركه سواء عليه. وهذا مما يدل على ثبات القدر بخلاف ما تقوله المعتزلة. وقيل: نزل ذلك في قادة الأحزاب، وهم الذين نزل فيهمأَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ / بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً } [إبراهيم: 28] الآية. وهم الذين قتلوا يوم بدر، قال ذلك الربيع بن أنس.

وقال ابن عباس: " نزلت في اليهود الذين جحدوا بمحمد صلى الله عليه وسلم استكباراً وحسداً مع معرفتهم أنه نبي صلى الله عليه وسلم ".

وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: " حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف مع أصحابهما من رؤساء اليهود الذين دخلوا على النبي [عليه السلام] وسألوه عن { الۤـمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } ".

وقيل: هي عامة في كل كافر تقدم له في علم الله أنه لا يؤمن.

وأصل الكفر التغطية. ومنه قيل لِلّيل: كافر، لأنه يستر بظلمته ما فيه.

ويقال للزراع: كفّار، لأنهم يسترون الحب في الأرض، ومنه قولهيُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } [الفتح: 29]. ومنه قولهم: " كَفّارَةُ اليمين ". لأنها تستر الإثم عن الحالف، ومنه سمي الكافر لأنه يستر الإيمان بجحوده.

ومعنى لفظ الاستفهام في / { ءَأَنذَرْتَهُمْ } للتسوية، وهو في المعنى خبر، لكن التسوية تجري في اللفظ مجرى لفظ الاستفهام، والمعنى [على الخبر]، تقول: " سواء عليَّ أقمت أم قعدت. وإنما صار لفظ التسوية مثل لفظ الاستفهام للمضارعة التي بينهما، وذلك أنك إذا قلت: " قد علمت أزيد في الدار أم عمرو " ، فقد سويت علم المخاطب فيهما، فلا يدري أيهما في الدار، وقد اسْتَوَى علمك في ذلك، وتدري أحدهما في الدار ولا تدريه بعينه. فهذا تسوية.

وتقول في الاستفهام: " أزيد في الدار أم عمرو؟ " ، فأنت لا تدري أيهما في الدار، وقد استوى علمك في ذلك وتدري أن أحدهما في الدار، ولا تدري عينه منهما، فقد صار الاستفهام كالتسوية في عواقب الأمور، غير أن التسوية إبهام على المخاطب وعلم يقين عند المتكلم، والاستفهام إبهام على المتكلم.

السابقالتالي
2