قوله: { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }. قال ابن عباس: " قوله: { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } ، منسوخة بقوله: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ }. ومعنى قوله: " إنها منسوخة " ، أي نزلت على نسختها لأنها خبر، والأخبار لا تنسخ. وقد قيل: إن الآية محكمة، وإن المؤمن والكافر يحاسبان بما أبديا وأخفيا، فيغفر للمؤمن، ويعاقب الكافر. وقيل: إن الآية مخصوصة في كتمان الشهادة خاصة وإظهارها. روي ذلك عن ابن عباس. وروي عن عائشة أنها قالت: / " ما هَمَّ به العبد من خطيئة عوقب على ذلك بما يلحقه من الهم والحزن في الدنيا ". قال ابن عباس " إذا جمع الله الخلائق يقول: أنا أخبركم بما أكننتم في أنفسكم. فأما المؤمنون فيغفر لهم، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من شكهم وتكذيبهم، فذلك قوله: { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ }. قال ابن عباس: " لما نزلت هذه / الآية وقع في قلوبهم شيء، فقال لهم النبي عليه السلام: " قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا " ، فَأَلْقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَنْزَلَ: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ } إلى { أَوْ أَخْطَأْنَا }. قال: " قَدْ فَعَلْتُ " { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً } ، قال: " قَدْ فَعَلْتُ " ، { وَٱعْفُ عَنَّا } إلى آخر السورة. قال: قَدْ فَعَلْتُ ". وقال السدي: " وقعت عليهم شدة عند نزول: { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } حتى نسخها ما بعدها ". أي أزالت الشدة، من قولهم: " نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ " أي أزالته. { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. أي يقدر على العفو لما أخفته نفس المؤمن، وعلى العقاب فيما أخفته نفس الكافر من الكفر والشك في الدين. وقال حذيفة: " سمعت النبي عليه السلام يقول: " أُعْطِيتُ آيَاتٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي، وَلاَ يُعْطَاهَا أَحَدٌ مِنْ بَعْدِي، ثم قرأ: { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } حتى ختم السورة ". وروى أبو هريرة أنه: " لما نزلت على النبي عليه السلام هذه الآية: { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ، وسمعوا فيها: { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب فقالوا: " لا نطيق، كلفنا من العمل ما لا نطيق ولا نستطيع، فأنزل الله: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ } إلى آخرها. وقال محمد بن كعب القرظي: " ما بعث الله نبياً إلا أمره أن يعرض على قومه، { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } إلى قوله: { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } إلا قالوا: لا نطيق أن نؤاخذ بما نوسوس في قلوبنا، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم أنزلها عليه فآمن بها، وعرضها على قومه، فآمنوا بها، وقالوا: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } ، قال: فخفف الله عنهم، فأنزل: { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ }.